للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُؤْمِنِينَ (لِلذِّكْرَى) أَيْ لِلْإِيمَانِ.

قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: ٢٢] " إذَا أَنْزَلَ اللَّهُ النُّورَ فِي الْقَلْبِ فَتَحَهُ وَوَسَّعَهُ، وَعَلَامَتُهُ الْعَمَلُ لِدَارِ الْخُلُودِ وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ "، وَعَطَفَ قَوْلَهُ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ وَعَطَفَ قَوْلَهُ (فَآمَنُوا بِاَللَّهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ نَاطِقِينَ وَبِقُلُوبِهِمْ مُخْلِصِينَ وَبِمَا أَتَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُ وَكُتُبُهُ عَامِلِينَ) لِمَجِيئِهِ مَجِيءَ الْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ، وَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ وَعَامِلِينَ بِمَا أَتَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُ وَكُتُبُهُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمَجْرُورَ عَلَى الْمُتَعَلَّقِ بِهِ

ــ

[حاشية العدوي]

لِكَمَالِ الْإِيمَانِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ لِلْإِيمَانِ] اعْلَمْ أَنَّ الذِّكْرَى مَصْدَرٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ الْإِيمَانُ، وَرُجِّحَ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ شَارِحُنَا، وَقِيلَ: إنَّهُ الْمَوْعِظَةُ وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ تت. [قَوْلُهُ: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الزمر: ٢٢]] يُؤْخَذُ مِنْ مُوَافَقَةِ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ لِلَفْظِ الْآيَةِ تَفْسِيرُ الذِّكْرَى بِالْإِيمَانِ أَنَّ الْإِسْلَامَ نَفْسُ الْإِيمَانِ فَيَكُونُ مُفِيدًا لِتَرَادُفِهِمَا وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: الذِّكْرَى الْإِيمَانُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ شَيْءٌ وَاحِدٌ.

قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ} [الزمر: ٢٢] إلَخْ اهـ.

وَمَنْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ. {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ} [الزمر: ٢٢] كَذَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ قَالَ الشِّهَابُ: أَيْ كَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ كَمَنْ قَسَا قَلْبُهُ. [قَوْلُهُ: {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: ٢٢]] أَيْ ثَابِتٌ وَمُسْتَقِرٌّ عَلَى نُورٍ.

قَالَ الشِّهَابُ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ: وَالنُّورُ مُسْتَعَارٌ لِلْهِدَايَةِ وَالْمَعْرِفَةِ كَمَا يُسْتَعَارُ لِضِدِّهِ الظُّلْمَةُ اهـ.

وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْهِدَايَةَ وَالْمَعْرِفَةَ مُحَصَّلُ الْإِيمَانِ الَّذِي جُعِلَ مُرَادِفًا لِلْإِسْلَامِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ النُّورَ نَفْسُ ذَلِكَ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ فَصَرَّحَ بِهِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِهِ حَيْثُ كَانَ نُورًا مِنْ رَبِّهِ مَعَ أَنَّ الْمَحَلَّ لِلضَّمِيرِ.

[قَوْلُهُ: إذَا أَنْزَلَ اللَّهُ النُّورَ فِي الْقَلْبِ إلَخْ] قَالَ الشِّهَابُ: وَالْمُرَادُ بِالنُّورِ فِيهِ أَيْ فِي الْحَدِيثِ الْهِدَايَةُ وَالْيَقِينُ اهـ. أَيْ إذَا أَرَادَ اللَّهُ إنْزَالَ النُّورِ فِي الْقَلْبِ فَتَحَهُ وَوَسَّعَهُ أَيْ هَيَّأَهُ لِقَبُولِ ذَلِكَ النُّورِ، فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَعَلَامَتُهُ] كَذَا فِي نُسْخَةٍ يُظَنُّ بِهَا الصِّحَّةُ، وَعَلَامَتُهُ بِدُونِ لَفْظِ مِنْ أَيْ عَلَامَةُ الْإِنْزَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْ أَنْزَلَ أَوْ الْفَتْحِ الْمَأْخُوذِ مِنْ فَتَحَ، ثُمَّ أَقُولُ: وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ فِي الْآيَةِ مُرَادٌ بِهِ الْإِسْلَامُ الْكَامِلُ فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: لِدَارِ الْخُلُودِ] أَيْ الْآخِرَةِ. [قَوْلُهُ: وَالتَّجَافِي] أَيْ التَّبَاعُدُ. [قَوْلُهُ: عَنْ دَارِ الْغُرُورِ] أَيْ الْبَاطِلِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّنْيَا [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِعْدَادُ] أَيْ وَالتَّهَيُّؤُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ حُصُولِهِ [قَوْلُهُ: فَآمَنُوا] لَيْسَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلْمُؤْمِنِينَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ بَلْ لِمَنْ هَدَاهُمْ وَيَصِحُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِتَكْلِيفٍ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِالْمُؤْمِنِينَ مَنْ أَرَادَ إيمَانَهُمْ، وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَدَمُ لُزُومِ اخْتِلَافِ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ إذْ ضَمِيرُ تَعَلَّمُوا وَوَقَفُوا لِلْمُؤْمِنِينَ كَذَا ذَكَرَهُ عج [قَوْلُهُ: بِأَلْسِنَتِهِمْ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نَاطِقِينَ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِمْ: أَبْصَرْت بِعَيْنِي وَسَمِعْت بِأُذُنِي وَنَاطِقِينَ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي آمَنُوا.

[قَوْلُهُ: وَبِقُلُوبِهِمْ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُخْلِصِينَ أَوْ مُصَدِّقِينَ، فَالْإِخْلَاصُ هُنَا لَيْسَ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ الَّذِي فِيهِ أَقْوَالٌ فَقِيلَ إنَّهُ تَرْكُ حُبِّ الْمَدْحِ عَلَى الْعَمَلِ، وَقِيلَ: إنَّهُ تَرْكُ الشَّكِّ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ، وَقِيلَ: إنَّهُ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكْتُبُهُ وَلَا شَيْطَانٌ فَيُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الْإِيمَانَ مُرَكَّبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: النُّطْقِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْعَمَلِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهَا كَلَامُهُ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ: نَاطِقِينَ وَمُخْلِصِينَ وَعَامِلِينَ، فَلَوْ فُسِّرَ بِالْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ التَّعَرُّضُ لِلتَّصْدِيقِ صَرِيحًا.

تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الْإِخْلَاصَ عَلَى النُّطْقِ وَإِنْ كَانَتْ الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا.

[قَوْلُهُ: لِمَجِيئِهِ إلَخْ] أَيْ فَعَطَفَ قَوْلَهُ: فَآمَنُوا عَلَى قَوْلِهِ: فَهَدَى مَنْ وَفَّقَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْهِدَايَةِ مُطْلَقُ الدَّلَالَةِ فَهِيَ سَبَبٌ وَإِيمَانُهُمْ بِاَللَّهِ مُسَبَّبٌ أَفَادَهُ عج. وَفِيهِ أَنَّ الْعَطْفَ بِالْفَاءِ لَيْسَ مُسْتَلْزِمًا لِلسَّبَبِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَفِيهِ تَقْدِيمٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>