للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطَّاهِرِ) هَذَا مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاسِخِينَ وَبَيَانِ الْمُتَفَقِّهِينَ لِلطَّيِّبِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣] (وَهُوَ) أَيْ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ: (مَا ظَهَرَ) أَيْ صَعِدَ (عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْهَا مِنْ تُرَابٍ أَوْ رَمْلٍ أَوْ حِجَارَةٍ أَوْ سَبِخَةٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَاحِدَةُ السِّبَاخِ وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ مِلْحٍ وَرَشْحٍ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا الْخَشَبُ غَيْرُ الْمَصْنُوعِ وَالْحَشِيشُ وَالزَّرْعُ لِأَنَّهُ مِنْهَا صَعِدَ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّا هُوَ عَلَى وَجْهِهَا، وَلَيْسَ مِنْهَا كَالرَّمَادِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى التُّرَابِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَمْ يُنْقَلْ مِنْهَا أَوْ نُقِلَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَى الْمَشْهُورِ وَغَيْرُ التُّرَابِ الْمِلْحُ لَا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ إلَّا فِي مَوْضِعِهِ، وَالْخَشَبُ إذَا دَخَلَتْهُ صَنْعَةً لَا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ حِجَارَةٌ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْجَبَلِ وَالصَّفَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا تُرَابٌ وَهُوَ كَذَلِكَ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ صِفَةَ التَّيَمُّمِ فَقَالَ: (يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ) لَيْسَ مُرَادُهُ حَقِيقَةَ الضَّرْبِ بَلْ مُرَادُهُ أَنْ يَضَعَهُمَا عَلَى مَا يَتَيَمَّمُ بِهِ تُرَابًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهَذَا الضَّرْبُ فَرْضٌ

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْضًا أَنْ لَا يُكْثِرَ النَّفَلَ جِدًّا وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ.

[قَوْلُهُ: يَكُونُ إلَخْ] إنَّمَا قُدِّرَ الْمُضَارِعُ إشَارَةً إلَى تُجَدِّدْ هَذَا التَّيَمُّمِ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ يُفِيدُ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: هَذَا مِنْ تَفْسِيرِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُفِيدُ تَرَادُفَ التَّفْسِيرِ وَالْبَيَانِ [قَوْلُهُ: مَا ظَهَرَ إلَخْ] أَيْ أَنَّ مَالِكًا قَالَ إنَّ الصَّعِيدَ مَا ظَهَرَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُوَافِقًا لِمَا عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ أَنَّ الصَّعِيدَ مَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَذَهَبَ غَيْرُهُ وَهُوَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الصَّعِيدَ فِي الْآيَةِ التُّرَابُ الطَّاهِرُ وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَوْ خَرَجَ مِنْ بَاطِنِهَا.

[قَوْلُهُ: مِنْ تُرَابٍ] مَعْرُوفٌ، [قَوْلُهُ: أَوْ رَمْلٍ] هِيَ الْحِجَارَةُ الصِّغَارُ.

[قَوْلُهُ: أَوْ حِجَارَةٍ] أَيْ كِبَارٍ أَيْ أَكْبَرَ مِنْ الرَّمَلِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا تُرَابٌ، وَلَوْ نُحِتَتْ بِالْقُدُومِ كَالْبَلَاطِ وَلَوْ نُقِلَتْ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ بِشَرْطِ عَدَمِ الطَّبْخِ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَلَى الْجِيرِ وَلَا عَلَى الْآجُرِّ. وَهُوَ الطُّوبُ الْأَحْمَرُ، وَأَمَّا الرُّخَامُ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ إنْ نُحِتَ بِقَدُومٍ وَأَوْلَى إنْ لَمْ يُنْحَتْ كَالرَّحَى سُفْلَى وَعُلْيَا كُسِرَتْ أَوْ لَا، وَإِنْ طُبِخَ بِالنَّارِ فَلَا.

[قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا إلَخْ] قَدْ يُقَالُ لَا يَدْخُلُ بِأَنْ يُرَادَ مِنْ أَجْزَائِهَا، [قَوْلُهُ: الْخَشَبُ إلَخْ] أَيْ فَيَتَيَمَّمُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ، إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ قَلْعُهُ وَضَاقَ الْوَقْتُ وَلَا تَفْهَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ عَلَيْهَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِتِلْكَ الْقُيُودِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ عَلَى مَا ذُكِرَ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الشُّرُوطِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ نُقِلَ] الْمُرَادُ بِالنَّقْلِ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ حَائِلًا.

[قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَى الْمَشْهُورِ] غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ التُّرَابَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ عِنْدَ عَدَمِ النَّقْلِ، أَمَّا مَعَهُ فَغَيْرُهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا لِابْنِ بُكَيْرٍ.

[قَوْلُهُ: كَالْمِلْحِ] أَيْ وَالشَّبِّ وَالْكِبْرِيتِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَسَائِرِ الْمَعَادِنِ فَهُوَ كَالْمِلْحِ فَلَا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهَا إلَّا فِي مَوْضِعِهَا أَوْ نُقِلَتْ مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ وَلَمْ تَصِرْ فِي أَيْدِي النَّاسِ كَالْعَقَاقِيرِ وَلَوْ جُعِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ حَائِلٌ، وَأَمَّا لَوْ صَارَتْ فِي أَيْدِي النَّاسِ كَالْعَقَاقِيرِ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا مَعَادِنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوْهَرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَقَعُ بِهِ تَوَاضُعٌ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَلَوْ فِي مَحِلِّهَا، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ سِوَاهَا وَتَسْقُطُ الصَّلَاةُ وَقَضَاؤُهَا.

[قَوْلُهُ: إذَا دَخَلْته صَنْعَةٌ إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَلَوْ لَمْ تَدْخُلْهُ صَنْعَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْجَبَلِ إلَخْ] الْجَبَلُ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ جِبَالٌ وَأَجْبُلٌ عَلَى قِلَّةٍ قَالَ بَعْضٌ وَلَا يَكُونُ جَبَلًا إلَّا إذَا كَانَ مُسْتَطِيلًا، [قَوْلُهُ: وَالصَّفَا إلَخْ] الصَّفَا مَقْصُورُ الْحِجَارَةِ وَيُقَالُ الْحِجَارَةُ الْمَلْسُ الْوَاحِدَةُ صَفَاةٌ مِثْلُ حَصَى وَحَصَاةٍ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ.

[قَوْلُهُ: يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ] جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا فَهِيَ وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ نَشَأَ مِنْ قَوْلِهِ وَالتَّيَمُّمُ بِالصَّعِيدِ الطَّاهِرِ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ يَفْعَلُ فَقَالَ يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ يَتَيَمَّمُ بِغَيْرِهَا مِنْ أَعْضَائِهِ، فَإِنْ عَجَزَ اسْتَنَابَ فَإِنْ لَمْ تُمْكِنْهُ الِاسْتِنَابَةُ مَرَّغَ وَجْهَهُ [قَوْلُهُ: وَهَذَا الضَّرْبُ فَرْضٌ] فَلَوْ لَاقَى بِيَدَيْهِ الْغُبَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>