هَذِهِ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا فَمَنْ حَفِظَهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» . وَالشَّاهِدُ النَّجْمُ وَاَلَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِمَّا قَالَهُ مَالِكٌ. قَالَهُ التُّونُسِيُّ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَشْهَرُ إذَا عُلِمَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَوَقْتُ الْغُرُوبِ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: وَهِيَ إلَى قَوْلِهِ الْحَاضِرُ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (فَوَقْتُهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ) وَكَرَّرَ الْمُبْتَدَأَ لِطُولِ الْكَلَامِ. ك: وَالْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ غَيْبُوبَةُ جُرْمِهَا وَقُرْصِهَا الْمُسْتَدِيرِ دُونَ أَثَرِهَا وَشُعَاعِهَا فَقَوْلُهُ: (فَإِذَا تَوَارَتْ) أَيْ اسْتَتَرَتْ وَغَابَتْ (بِالْحِجَابِ) ابْنُ حَبِيبٍ: أَيْ بِالْعَيْنِ الْحَمِئَةِ أَيْ ذَاتِ الْحَمْأَةِ وَهِيَ الطِّينَةُ السَّوْدَاءُ، وَقِيلَ: هُوَ شَيْءٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا لَا
ــ
[حاشية العدوي]
النَّجْمِ عِنْدَ الْغُرُوبِ دَائِمًا لِأَنَّهُ نِيطَ الْحُكْمُ بِهِ. [قَوْلُهُ: «عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّ الْعَصْرَ كَانَتْ لِسُلَيْمَانَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهَا كَانَتْ لِأُمَّتِهِ إلَّا أَنَّ فِي عِبَارَتِهِ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا لِأُمَّتِهِ، فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا أُمَّةَ سُلَيْمَانَ لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ جَمِيعَ أَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانُوا مُتَعَبِّدِينَ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى إلَى عِيسَى وَسُلَيْمَانَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَلَا يَكُونُ الْعَصْرُ مُخْتَصًّا بِسُلَيْمَانَ وَلَا بِأُمَّتِهِ الَّذِينَ هُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ الْكَائِنِينَ فِي زَمَنِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّوْرَاةَ كَانَتْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ عُمُومًا، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضًا مِنْهُمْ كَسُلَيْمَانَ كَانَ مُخْتَصًّا بِبَعْضِ أَحْكَامٍ تَعَبَّدَتْ بِهَا أُمَّتُهُ مَعَهُ.
[قَوْلُهُ: فَضَيَّعُوهَا] أَيْ تَرَكُوهَا رَأْسًا أَوْ لَمْ يُدَاوِمُوا عَلَيْهَا أَوْ خَلَّوْا بِشَرْطِهَا. [قَوْلُهُ: فَمَنْ حَفِظَهَا] أَيْ بِأَنْ أَتَى بِهَا فِي وَقْتِهَا مَعَ شُرُوطِهَا. [قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ أَجْرُهُ إلَخْ] قَالَ السِّنْدِيُّ: أَيْ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي كُلِّ عَمَلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّوَابُ الْأَصْلِيُّ غَيْرُ التَّضْعِيفِ أَوْ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الْأَجْرِ وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهَا الْوُسْطَى.
[قَوْلُهُ: وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا] خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ قَالَهُ السِّنْدِيُّ [قَوْلُهُ: وَالشَّاهِدُ النَّجْمُ] أَيْ النَّجْمُ الْمَعْهُودُ الَّذِي يَطْلُعُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ فِي كَلَامِ بَعْضِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَرَّحَ بَعْضٌ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللَّيْثِ مُفَسَّرًا يُظْهِرُ لِلشَّاهِدِ الْوَاقِعَ فِي الْحَدِيثِ.
قَالَ بَعْضٌ: سَمَّاهُ أَيْ النَّجْمَ الشَّاهِدَ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِاللَّيْلِ أَيْ يَحْضُرُ وَيَظْهَرُ انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَشْهَرُ] أَيْ مِنْ ذَلِكَ التَّعْلِيلِ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ لَا يَطَّرِدُ.
[قَوْلُهُ: وَكَرَّرَ الْمُبْتَدَأَ إلَخْ] فِيهِ تَنَافٍ لِأَنَّ مُفَادَهُ أَوَّلًا حَيْثُ قَالَ: وَخَبَرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ فَوَقْتُهَا مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، وَغُرُوبُ الشَّمْسِ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، وَمُفَادُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ: فَوَقْتُهَا تَأْكِيدٌ لِلْمُبْتَدَأِ لَا أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ مُخْبَرٌ عَنْهُ بِخَبَرٍ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْأَوَّلِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَكْرِيرِهِ إعَادَةُ لَفْظَةٍ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ لَا تَأْكِيدٌ أَوْ تَأْكِيدُ مَعْنًى، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْإِخْبَارُ الْإِخْبَارُ عَنْ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ الْغُرُوبُ لَا الْإِخْبَارُ عَنْ الْوَقْتِ بِثُبُوتِ الْغُرُوبِ لِلْوَقْتِ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: غُرُوبُ الشَّمْسِ] أَيْ غُرُوبُ قُرْصِهَا. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: بِمَوْضِعٍ لَا جِبَالَ فِيهِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ جَبَلٌ فَيُنْظَرُ لِجِهَةِ الْمَشْرِقِ فَإِذَا ظَهَرَتْ الظُّلْمَةُ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَغِيبِهَا هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقِيمِينَ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُونَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُدُّوا الْمِيلَ وَنَحْوَهُ ثُمَّ يَنْزِلُونَ وَيُصَلُّونَ انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: وَقُرْصُهَا] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَشُعَاعُهَا] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَغَابَتْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: الْحَمِئَةِ] بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ اسْتَتَرَتْ فِي الطِّينِ الْأَسْوَدِ أَيْ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَنَا، وَإِلَّا فَهِيَ قَدْرُ كَرَّةِ الْأَرْضِ مِائَةً وَسِتِّينَ أَوْ خَمْسِينَ أَوْ عِشْرِينَ مَرَّةً. [قَوْلُهُ: أَيْ ذَاتِ الْحَمْأَةِ] أَتَى بِذَلِكَ دَفْعًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ أَنَّ الْحَمْأَةَ وَصْفٌ لِلْعَيْنِ، فَأَفَادَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَقِيقَةِ مَحْذُوفٌ الَّذِي هُوَ ذَاتِ، وَظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْنَا سَابِقًا أَنَّ الْغَيْبُوبَةَ فِي الْمَظْرُوفِ الَّذِي هُوَ الطِّينُ لَا فِي الظَّرْفِ الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ.
[قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ] أَيْ الْحِجَابُ. [قَوْلُهُ: شَيْءٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى هَذَا أَنَّهَا غَابَتْ فِي الْحِجَابِ كَمَا هُوَ مُفَادُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بَلْ الْبَاءُ عَلَيْهِ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى غَابَتْ أَيْ لَمْ تَظْهَرْ لَنَا