للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مُطَأْطِئًا يَعْنِي مُمِيلًا. يُقَالُ: طَأْطَأَ رَأْسَهُ أَمَالَهُ، وَالتَّطَأْطُؤُ أَخْفَضُ مِنْ التَّنْكِيسِ لِأَنَّ التَّنْكِيسَ إطْرَاقُ الْجُفُونِ إلَى الْأَرْضِ، وَالتَّطَأْطُؤُ الِانْحِنَاءُ عَلَى حَسَبِ مَا يُرِيدُ الْإِنْسَانُ (فَإِنْ نَظَرْت إلَى الشَّمْسِ بِبَصَرِك) يَعْنِي إذَا جَاءَتْ عَلَى بَصَرِك (فَقَدْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَإِذَا لَمْ تَرَهَا بِبَصَرِك) فَإِنَّهُ (لَمْ يَدْخُلْ الْوَقْتُ وَإِنْ نَزَلَتْ عَنْ بَصَرِك) أَيْ جَاءَتْ تَحْتَ بَصَرِك (فَقَدْ تَمَكَّنَ دُخُولُ الْوَقْتِ) وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ حِكَايَةُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ قَائِلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ الظِّلِّ (وَاَلَّذِي وُصِفَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) فِي تَحْدِيدِ آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِلْعَصْرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ (أَنَّ الْوَقْتَ فِيهَا مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ) الْقَرَافِيُّ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، فَإِنَّ الشَّمْسَ حِينَئِذٍ أَيْ عِنْدَ الْقَامَتَيْنِ تَكُونُ نَقِيَّةً وَالْمَذْهَبُ أَنَّ تَقَدُّمَ الْعَصْرِ أَوَّلَ وَقْتِهَا أَفْضَلُ.

(وَوَقْتُ) صَلَاةِ (الْمَغْرِبِ) الِاخْتِيَارِيُّ (وَهِيَ) أَيْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ لَهَا اسْمَانِ هَذَا لِأَنَّهَا تَقَعُ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالْآخَرُ (صَلَاةُ الشَّاهِدِ يَعْنِي) أَيْ مَالِكًا بِقَوْلِهِ الشَّاهِدُ (الْحَاضِرُ) وَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ مَا مَعْنَى الْحَاضِرِ فَقَالَ: (يَعْنِي أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَقْصُرُهَا وَيُصَلِّيهَا كَصَلَاةِ الْحَاضِرِ) . ك تَعْلِيلِ تَسْمِيَةِ الْمَغْرِبِ بِالشَّاهِدِ لِكَوْنِ الْمُسَافِرِ لَا يَقْصُرُهَا مَنْقُوضٌ بِالصُّبْحِ، وَاَلَّذِي عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ عِنْدَ طُلُوعِ نَجْمٍ يُسَمَّى الشَّاهِدُ، أَوْ لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ

ــ

[حاشية العدوي]

ثَمَرَةِ الْخِلَافِ، وَقَوْلُهُ: وَالْعَصْرُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا قَدْ تَقَدَّمَ فَلَا حَاجَةَ لَهُ فَذِكْرُهُ تَكْرَارٌ. [قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ قَائِلَهُ] وَاعْتَرَضَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ دُخُولَ الْوَقْتِ بِمَا ذُكِرَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فِي كُلِّ الْأَزْمِنَةِ لِأَنَّ الشَّمْسَ تَكُونُ فِي الصَّيْفِ مُرْتَفِعَةً، وَفِي الشِّتَاءِ مُنْخَفِضَةً.

قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّحْوِ حَيْثُ تَظْهَرُ الظُّهْرُ وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْغَيْمِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْأَوْرَادِ وَأَهْلِ الصَّنَائِعِ. فَيُسْأَلُونَ عَنْ ذَلِكَ وَيُحْتَاطُ لِلْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ فَكُلٌّ مِنْهُمَا رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنَّ الْأُولَى رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالثَّانِيَةَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ.

[قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ] أَيْ فِي الْأَرْضِ وَالْجُدُرِ أَيْ لَا فِي عَيْنِ الشَّمْسِ إذْ لَا تَزَالُ نَقِيَّةً حَتَّى تَغْرُبَ كَذَا ذَكَرُوا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّمْسَ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِلْقُرْبِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي الْقُرْبَ بَلْ يَقْضِي بِالْبُعْدِ لِأَنَّ الشَّمْسَ إذَا كَانَتْ نَقِيَّةً عِنْدَ الْقَامَتَيْنِ فَلَمْ يُوجَدْ اصْفِرَارٌ فَقَدْ انْقَضَى وَقْتُ الْعَصْرِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَلَمْ يُنْقَضْ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَعْقُبُ ذَلِكَ النَّقَاءَ الِاصْفِرَارُ أَفَادَهُ الدَّفَرِيُّ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْعَصْرِ أَوَّلَ وَقْتِهَا أَفْضَلُ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ: أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُزَادَ عَلَى ذَلِكَ ذِرَاعٌ لَا سِيَّمَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ.

[قَوْلُهُ: يَعْنِي أَيْ مَالِكًا بِقَوْلِهِ الشَّاهِدَ الْحَاضِرَ] مُرَادُهُ أَنَّ ضَمِيرَ يَعْنِي يَعُودُ عَلَى الْإِمَامِ وَقِيلَ يَعُودُ عَلَى حَمَلَةِ الشَّرْعِ. [قَوْلُهُ: مَنْقُوضٌ بِالصُّبْحِ] رَدَّهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، فَقَالَ: إنَّهُ مَسْمُوعٌ لَا يُقَاسُ وَإِلَّا لَسُمِّيَتْ الصُّبْحُ بِذَلِكَ، وَأَجَابَ بَعْضٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْمَغْرِبَ لَمَّا كَانَ عَدَدُهَا قَرِيبًا مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ الَّتِي تُقْصَرُ إلَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُنْتَقَضْ تَسْمِيَتُهَا بِالشَّاهِدِ بِالصُّبْحِ إذْ لَمْ يُعْهَدْ صَلَاةٌ هِيَ رَكْعَةٌ غَيْرَ الْوِتْرِ.

[قَوْلُهُ: تَغْرُبُ عِنْدَ طُلُوعِ نَجْمٍ إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ مُقَارَنَةَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِطُلُوعِ ذَلِكَ النَّجْمِ، وَيُفِيدُ كَوْنَ طُلُوعِ النَّجْمِ مَعْلُومًا دُونَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ قُدِّرَ بِطُلُوعِ ذَلِكَ النَّجْمِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ مَعَ أَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ أَظْهَرُ فِي التَّقْدِيرِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّقْدِيرِ بِطُلُوعِ ذَلِكَ النَّجْمِ أَنَّ وُجُودَهُ دَلِيلٌ عَلَى تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ، فَالْمُقَارَنَةُ الْمُفَادَةُ غَيْرُ مُرَادَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَبَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لِي ذَلِكَ وَجَدْت شَارِحَ الْحَدِيثِ السِّنْدِيَّ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: «حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» كِنَايَةٌ عَنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِأَنَّ بِغُرُوبِهَا يَظْهَرُ الشَّاهِدُ إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ شَيْئًا مَا مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ تَعْجِيلُهَا عَقِبَ الْغُرُوبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ طُلُوعَهُ عَلَامَةٌ عَلَى تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ كَمَا قَرَّرْنَا فَلَا يَلْزَمُ إلَّا الصَّلَاةُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ.

وَمُفَادُهُ أَيْضًا أَنَّ طُلُوعَ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>