للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقْتِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَغَيْرِهِ فَيُسْتَحَبُّ فِي وَقْتِ شِدَّةِ الْحَرِّ لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ (لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» .) وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» . ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ أَنْ تَتَفَيَّأَ الْأَفْيَاءُ وَيَنْكَسِرَ وَهَجُ الْحَرِّ، وَالْفَيْحُ لَهَبُ النَّارِ وَسُطُوعُهَا، وَحَدِيثُ التَّعْجِيلِ مَنْسُوخٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ» (وَآخِرُ الْوَقْتِ) الْمُخْتَارِ لِلظُّهْرِ (أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ) اعْتِبَارُ النَّهَارِ هُنَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ بِخِلَافِ النَّهَارِ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّ أَوَّلَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ.

(وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ) الْمُخْتَارِ هُوَ (آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ) الْمُخْتَارِ فَعَلَى هَذَا هُمَا مُشْتَرَكَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَاخْتَلَفَ التَّشْهِيرُ هَلْ الظُّهْرُ تُشَارِكُ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَوْ الْعَصْرُ تُشَارِكُ فِي آخِرِ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَخَّرَ صَلَاةَ الظُّهْرِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَأَوْقَعَ الظُّهْرَ أَوَّلَ الْوَقْتِ كَانَتْ أَدَاءً، وَعَلَى الثَّانِي لَوْ صَلَّى الْعَصْرَ عِنْدَمَا بَقِيَ مِقْدَارُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ الْقَامَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْعَصْرَ تَقَعُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا.

وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ أَيْضًا لَوْ أَنَّ مُصَلِّيَيْنِ صَلَّيَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقَامَةِ الْأُولَى أَحَدُهُمَا صَلَّى الظُّهْرَ وَالْآخَرُ صَلَّى الْعَصْرَ، فَعَلَى أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى وَقَعَتْ الصَّلَاتَانِ أَدَاءً الظُّهْرُ تَقَعُ فِي آخِرِ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ، وَالْعَصْرُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ (وَآخِرُهُ) أَيْ آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ الْمُخْتَارِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ (أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ وَقِيلَ:) أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّك (إذَا اسْتَقْبَلْت الشَّمْسَ بِوَجْهِك) يَعْنِي بِبَصَرِك (وَأَنْتَ قَائِمٌ غَيْرُ مُنَكِّسِ رَأْسِك وَلَا مُطَأْطِئٍ لَهُ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

وَقَالَ

ــ

[حاشية العدوي]

غَيْرَهَا فَالْأَوْلَى لَهَا التَّأْخِيرُ لِرُبْعِ الْقَامَةِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صَيْفٍ وَشِتَاءٍ، وَيُرَادُ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا أَمْ لَا لِشِدَّةِ الْحَرِّ أَيْ لِوَسَطِ الْوَقْتِ كَمَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ، حَيْثُ قَالَ: قَالَ أَشْهَبُ: لَا يَنْتَهِي بِالْإِبْرَادِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَنْتَهِي إلَيْهِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَهَا إلَى أَنْ كَانَ لِلتُّلُولِ وَالْجِدَارَاتِ فَيْءٌ يَسْتَظِلُّ بِهِ وَذَلِكَ وَسَطُ الْوَقْتِ اهـ.

[قَوْلُهُ: أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ إلَخْ] الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَالْمَعْنَى أَدْخِلُوا الصَّلَاةَ فِي الْبَرْدِ وَهُوَ سُكُونُ شِدَّةِ الْحَرِّ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَأَمَرَ بِالْإِبْرَادِ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرِّ لَا عِنْدَ الْحَرِّ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: «فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ» ] قِيلَ كَلِمَةُ عَنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْ زَائِدَةٌ وَأَبْرَدَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ بِمَعْنَى أَدْخِلُوهَا فِي الْبَرْدِ. [قَوْلُهُ: «مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ] بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ.

[قَوْلُهُ: وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ] أَيْ فَأَبْرِدُوا عَلَى وَزْنِ أَكْرِمُوا. [قَوْلُهُ: أَنْ تَتَفَيَّأَ الْأَفْيَاءُ] الْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ الَّتِي لَهَا ظِلٌّ. [قَوْلُهُ: وَهَجُ الْحَرِّ] أَيْ شِدَّتُهُ وَقُوَّتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَطْفُ قَوْلِهِ وَيَنْكَسِرَ إلَخْ عَلَى مَا قَبْلَهُ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ. [قَوْلُهُ: وَسُطُوعُهَا] أَيْ ارْتِفَاعُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ وَسُطُوعُهُ أَيْ اللَّهَبُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى النَّارِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَيْحَ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ اللَّهَبِ وَارْتِفَاعِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ اسْمٌ لِلَّهَبِ الْمُرْتَفِعِ وَأَحْسَنُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَقْفَهْسِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَيْحِ جَهَنَّمَ نَفْسُهَا فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: بِالْهَاجِرَةِ] وَقْتِ اشْتِدَادِ الْحَرِّ.

[قَوْلُهُ: بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ] الْمُرَادُ بِهِ الظِّلُّ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] مُقَابَلَةٌ لِابْنِ حَبِيبٍ لَا اشْتِرَاكٌ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَائِلًا: تَاللَّهِ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا [قَوْلُهُ: أَوْ الْعَصْرُ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مِقْدَارِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاشْتِرَاكُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ أَرْبَعٌ هَذَا فِي الْحَضَرِ وَأَمَّا السَّفَرُ فَبِقَدْرِ سَفَرِيَّتَيْنِ. [قَوْلُهُ: كَانَتْ أَدَاءً] أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِهَذَا لِأَنَّهَا أَدَاءٌ وَلَوْ فُعِلَتْ فِي الضَّرُورِيِّ، وَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى كَانَتْ بَاطِلَةً. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي إلَخْ] أَيْ وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ أَوَّلَ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ آثِمًا لِوُقُوعِهَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ.

[قَوْلُهُ: الظُّهْرُ تَقَعُ إلَخْ] لَا دَخْلَ لِذَلِكَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>