للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْحَثُّ عَلَيْهِ، وَاصْطِلَاحًا: مَا رَغَّبَ فِيهِ الشَّارِعُ وَحَدَّهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فِي جَمَاعَةٍ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَالضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةِ رَاجِعَةٌ لِلسُّنَنِ.

وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: (وَشَيْءٍ مِنْ الْآدَابِ وَمِنْهَا) رَاجِعٌ لِلْجُمْلَةِ، وَأَرَادَ بِالْآدَابِ مَا ذَكَرَ آخِرَ الْكِتَابِ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، (وَجُمَلٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ) بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى السُّنَنِ وَبِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ مُخْتَصَرَةٍ، قِيلَ: أَرَادَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ أُمَّهَاتِ الْمَسَائِلِ كَمَسْأَلَةِ بُيُوعِ الْآجَالِ، فَهِيَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَفَرْعٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أُخِذَتْ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُهُ قَوْلُهُ: (وَفُنُونِهِ) جَمْعُ فَنٍّ وَهُوَ الْفَرْعُ (عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) مُتَعَلِّقٌ بِأَكْتُبَ، وَأَرَادَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَهُ، (وَ) بِ (طَرِيقَتِهِ)

ــ

[حاشية العدوي]

لَيْسَ الرَّغِيبَةَ لُغَةً إذْ هِيَ لُغَةً مَا رُغِّبَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِ الْمُخَيَّرِ] الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا الْقَيْدِ.

قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالرَّغِيبَةُ الْأَمْرُ الْمُرَغَّبُ فِيهِ وَالْعَطَاءُ الْكَثِيرُ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَحَدَّهُ] خَرَجَ الرُّكُوعُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهُ مَثَلًا فَإِنَّ الشَّارِعَ رَغَّبَ فِيهِ وَلَمْ يَحُدَّهُ [قَوْلُهُ: كَصَلَاةِ الْفَجْرِ] الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا إلَّا رَغِيبَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَنْ يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَرَغَائِبِهَا مُرَادًا مِنْهُ الْجِنْسُ الْمُتَحَقِّقُ فِي فَرْدٍ. [قَوْلُهُ وَالضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةُ] أَيْ الَّتِي فِي مُؤَكَّدِهَا وَنَوَافِلِهَا وَرَغَائِبِهَا.

[قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِلْجُمْلَةِ] غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ هُوَ بِصَدَدِ مَا يَكُونُ مِنْهُ الْجُمْلَةُ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْوَاجِبِ وَالسُّنَنِ لَا بِمَعْنَى الْوَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ الْمُضَافِ لِمَا بَعْدَهُ وَلَا بِمَعْنَى السُّنَنِ الْمُبَيَّنَةِ بِقَوْلِهِ: مِنْ مُؤَكَّدِهَا إلَخْ بَلْ بِمَعْنَى وَاجِبٍ وَسُنَّةٍ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ كَانَتْ تِلْكَ السُّنَنُ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا قَابَلَ الْمُسْتَحَبَّ أَوْ لَا وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ مَا سَيَأْتِي فِي الْآدَابِ بَعْضُهُ وَاجِبٌ كَرَدِّ السَّلَامِ وَبَعْضُهُ سُنَّةٌ وَبَعْضُهُ مَنْدُوبٌ، وَخُلَاصَةُ الْمَعْنَى: أَكْتُبُ لَك جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً مِنْ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَةِ وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهِ وَمِنْ السُّنَنِ وَمِنْ شَيْءٍ مِنْ الْآدَابِ وَمِنْ شَيْءٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَاتَّضَحَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَشَيْءٍ وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ وَاجِبٍ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ: مَعْطُوفٌ عَلَى السُّنَنِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ عَطْفَهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ الْمَقَامَ. [قَوْلُهُ: بِالنَّصْبِ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ خُرُوجُهَا عَنْ الْجُمْلَةِ مَعَ أَنَّهَا مِنْهَا، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ.

[قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ] أَتَى بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ لِمَا قَالَهُ الطَّيَالِسِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُصُولِ الْأَحَادِيثُ الْمُلَخَّصَةُ الْأَسَانِيدِ أَيْ الْمَحْذُوفَةُ الْأَسَانِيدِ، وَبِالْفُنُونِ الْآرَاءُ الْمَنْسُوبَةُ إلَى الْعُلَمَاءِ: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَهَذَا شَاهِدٌ عَلَى خَطَأِ مَنْ فَسَّرَ أُصُولَ الْفِقْهِ بِأُمَّهَاتِ الْمَسَائِلِ اهـ.

[قَوْلُهُ: أُمَّهَاتِ الْمَسَائِلِ] أَيْ الْمَسَائِلِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي تَحْتَ كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا جُمْلَةُ مَسَائِلَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَمَسْأَلَةِ، تَمْثِيلٌ لِمُفْرَدِ الْمَسَائِلِ الْكُلِّيَّةِ وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ مَسْأَلَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَنَحْوِهِمَا.

[قَوْلُهُ: فَهِيَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا] أَيْ؛ لِأَنَّهَا الْبَيْعُ الْمُتَكَرِّرُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ إنْ أَدَّى إلَى مُحَرَّمٍ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذِهِ كُلِّيَّةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ.

[قَوْلُهُ: وَفَرْعٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أُخِذَتْ مِنْهُ] وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَيَرِدُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ فِي الْمَقَامِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا جَوَابُ مَا يُقَالُ: إنَّ الرِّسَالَةَ مُؤَلَّفَةٌ فِي الْفُرُوعِ لَا فِي الْأُصُولِ فَكَيْفَ يَقُولُ وَجُمَلٌ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ؟ فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْأَصْلِيَّةَ الَّتِي ثَبَتَتْ لَهَا نِسْبِيَّةٌ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا فَرْعٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أُخِذَتْ مِنْهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

[قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُهُ إلَخْ] الْمُشَارُ إلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ أُمَّهَاتُ الْمَسَائِلِ. [قَوْلُهُ: وَفُنُونِهِ] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْفُرُوعُ وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ لَهَا فُرُوعٌ، وَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَرَادَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ الْأَدِلَّةَ وَبِالْفُنُونِ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْفُرُوعِ أَنَّ الْمُقَابِلَ لَهَا قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ لَا أَدِلَّةٌ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: مَذْهَبِ إلَخْ] هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ يُطْلَقُ مُرَادًا بِهِ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَالْحَدَثُ، ثُمَّ تُعُورِفَ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا إمَامٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَيَكُونُ " مَذْهَبِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْمَذْهُوبِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مَذْهُوبٌ إلَيْهَا لَا فِيهَا. [قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِأَكْتُبَ] أَيْ مِنْ تَعَلُّقِ الْحَالِ بِعَامِلِهَا، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>