للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ (يَقْرَأُ فِيهَا) أَيْ فِي رَكْعَةِ الْوَتْرِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] والمُعَوِّذَتَيْن) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سُئِلَتْ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَتْ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: ١] .

وَفِي الثَّانِيَةِ بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] وَفِي الثَّالِثَةِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ» . (وَإِنْ زَادَ مِنْ الْأَشْفَاعِ) جَمْعُ شَفْعٍ وَهُوَ الزَّوْجُ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ ابْتِدَاءً أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ (جَعَلَ آخِرَ ذَلِكَ الْوَتْرَ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (وَ) لِمَا رُوِيَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ» أَيْ فِي اللَّيْلِ (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَقِيلَ) كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ (عَشْرَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ) الرِّوَايَتَانِ فِي الصَّحِيحِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ وَاجِبٌ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إلَى رَبِّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمُنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ» .

(وَأَفْضَلُ اللَّيْلِ آخِرُهُ فِي الْقِيَامِ) أَيْ لِأَجْلِ التَّهَجُّدِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَتْبَاعِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ مِنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيه مَنْ يَسْتَغْفِرنِي فَأَغْفِرُ لَهُ» . وَمَعْنَى يَنْزِلُ رَبُّنَا أَيْ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ آخِرَ اللَّيْلِ

ــ

[حاشية العدوي]

وَالْمَذْهَبُ إلَخْ] مُقَابِلُهُ يَقُولُ بِعَدَمِ التَّحْدِيدِ وَهُمَا لِمَالِكٍ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَقْرَأُ فِيهِ الْمُتَهَجِّدُ مِنْ تَمَامِ حِزْبِهِ وَغَيْرِهِ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَانَ لَهُ حِزْبٌ أَوْ لَا [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ] لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا الْمُحْصَنَتَيْنِ مِمَّا يُؤْذِي [قَوْلُهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ] إطْلَاقُ الْوَتْرِ عَلَى الثَّلَاثَةِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْوَتْرَ عِنْدَنَا رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ. [قَوْلُهُ: قَالَتْ كَانَ يَقْرَأُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ مُطَابِقًا لِظَاهِرِ لَفْظِ السُّؤَالِ، لِأَنَّ ظَاهِرَهُ هَلْ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَعَلَّهَا فَهِمَتْ أَنَّ مُرَادَ السَّائِلِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَقْرَأُ الْمُصْطَفَى فِي وَتْرِهِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. [قَوْلُهُ: قَوْلُهُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ] أَيْ فَالْأَمْرُ فِيهِ لِلنَّدْبِ [قَوْلُهُ: الرِّوَايَتَانِ فِي الصَّحِيحِ.] أَيْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ التَّنَافِي؟ فَالْجَوَابُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَتَارَةٌ اعْتَبَرَتْهُمَا مِنْ الْوَرْدِ فَجَعَلَتْهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَتَارَةٌ لَمْ تَعْتَبِرْهُمَا لِأَنَّهُمَا لِلْوُضُوءِ وَلِحَلِّ عُقَدِ الشَّيْطَانِ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي عَشْرَ رَكَعَاتٍ» . [قَوْلُهُ: عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ] يَعْنِي التَّهَجُّدَ فِيهِ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ] أَيْ عَادَتُهُمْ وَشَأْنُهُمْ [قَوْلُهُ: قَبْلَكُمْ] أَيْ هِيَ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ وَاظَبَ عَلَيْهَا الْكُمَّلُ السَّابِقُونَ [قَوْلُهُ: وَمَكْفَرَةٍ] عَلَى وَزْنِ مَفْعَلَةٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، أَيْ مَكْفَرَةٌ وَنَظِيرُهَا مَطْهَرَةٌ وَمَرْضَاةٌ أَفَادَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ لِلتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ. [قَوْلُهُ: آخِرُهُ فِي الْقِيَامِ] وَهُوَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ.

[قَوْلُهُ: أَيْ لِأَجْلِ التَّهَجُّدِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقِيَامَ بِمَعْنَى التَّهَجُّدِ وَفِي بِمَعْنَى اللَّامِ الَّتِي لِلتَّعْلِيلِ [قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ وَأَتْبَاعِهِ] أَيْ وَجَمِيعُ أَتْبَاعِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ تت، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَوْسَطُهُ لِخَبَرِ «أَنَّ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَهُ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» . [قَوْلُهُ: الْأَخِيرُ] بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِثُلُثٍ، وَتَخْصِيصُهُ بِاللَّيْلِ بِالثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّهَجُّدِ وَغَفْلَةُ النَّاسِ لِمَنْ يَتَعَرَّضُ لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ النِّيَّةُ خَالِصَةً وَالرَّغْبَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَافِرَةً وَذَلِكَ مَظِنَّةُ الْقَبُولِ وَالْإِجَابَةِ.

[قَوْلُهُ: فَأَسْتَجِيبَ لَهُ] بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ فَأَنَا أَسْتَجِيبُ لَهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي أُعْطِيه فَأَغْفِرُ لَهُ، وَلَيْسَتْ السِّينُ لِلطَّلَبِ بَلْ أَسْتَجِيبُ بِمَعْنَى أُجِيبُ وَالثَّلَاثَةُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَالسُّؤَالُ إمَّا بِمَعْنَى وَاحِدٍ فَذَكَرَهَا لِلتَّوْكِيدِ وَإِمَّا لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ لِرَفْعِ الْمَضَارِّ أَوْ جَلْبِ الْمَسَارِ وَهَذَا إمَّا دُنْيَوِيٌّ أَوْ دِينِيٌّ، فَفِي الِاسْتِغْفَارِ إشَارَةٌ إلَى الْأَوَّلِ، وَفِي السُّؤَالِ إشَارَةٌ إلَى الثَّانِي، وَفِي الدُّعَاءِ إشَارَةٌ إلَى الثَّالِثِ اهـ.

[قَوْلُهُ: أَيْ أَمْرَهُ وَرَحْمَتَهُ] لِأَنَّ الْمَجِيءَ الْحَقِيقِيَّ يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>