للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ عَلَى جِهَةِ الْفَضِيلَةِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِصِيغَةِ النَّهْيِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ وَلِلْبُخَارِيِّ: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ» بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَهَذَا الْأَمْرُ عَلَى جِهَةِ الْفَضِيلَةِ لَا الْوُجُوبِ، وَالنَّهْيِ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ لَا التَّحْرِيمِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْأَمْرِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بَيْنَ مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ إلَّا مَسْجِدَ مَكَّةَ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِيهِ بِالطَّوَافِ وَمَسْجِدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ يَبْدَأُ فِيهِ بِالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الرُّكُوعِ.

وَقَوْلُهُ الْآخَرُ يَبْدَأُ بِالرُّكُوعِ قَبْلَ السَّلَامِ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُشْتَرَطُ فِي فِعْلِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ شَرْطٌ وَهُوَ (إنْ كَانَ وَقْتٌ) بِالرَّفْعِ، وَيُرْوَى وَقْتًا عَلَى تَقْدِيرِ إنْ كَانَ وَقْتُهُ وَقْتًا (يَجُوزُ فِيهِ الرُّكُوعُ) وَاحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ نَهْيٍ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يَرْكَعُ (وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَرْكَعْ الْفَجْرَ) أَيْ سُنَّتَهُ خَارِجَهُ (أَجْزَأَهُ) بِمَعْنَى كَفَاهُ (لِذَلِكَ) أَيْ عَنْ رَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ (رَكْعَتَا الْفَجْرِ) وَلَا يَرْكَعُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ قَبْلَهُمَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ يَرْكَعُهُمَا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلًا لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَقُومُ مَقَامَ اثْنَتَيْنِ،

ــ

[حاشية العدوي]

الْمَسْجِدَ إلَخْ] اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْجِدٍ لُغَةً فَيَشْمَلُ مَا يَتَّخِذُهُ مَنْ لَا مَسْجِدَ لَهُمْ مِنْ بَيْتٍ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي بَيْتِهِ أَوْ الْمَسْجِدَ الْمَعْرُوفَ كَذَا نَظَرَ الْجُزُولِيُّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.

[قَوْلُهُ: فَلَا يَجْلِسُ] أَيْ يُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَا تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ، فَلَوْ كَثُرَ دُخُولُهُ بِأَنْ زَادَ عَلَى مَرَّةٍ كَفَتْهُ الْأُولَى إنْ قَرُبَ رُجُوعُهُ لَهُ عُرْفًا وَإِلَّا طَلَبَ بِهَا ثَانِيًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِهَا الْمَارُّ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالُوا لَوْ صَلَّاهَا لَكَانَتْ مِنْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الْفَضِيلَةِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِيهِ بِالطَّوَافِ] أَيْ لِمَنْ طَلَب بِهِ وَلَوْ نَدْبًا أَوْ أَرَادَهُ آفَاقِيًّا فِيهِمَا أَوْ لَا أَوْ لَمْ يُرِدْهُ وَهُوَ آفَاقِيٌّ، فَهَذِهِ خَمْسُ صُوَرٍ فَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا وَلَمْ يُطْلَبْ بِطَوَافٍ وَلَمْ يُرِدْهُ بَلْ دَخَلَهُ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِمُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ فَتَحِيَّتُهُ رَكْعَتَانِ فِي هَذِهِ السَّادِسَةِ إنْ كَانَ وَقْتٌ تَحِلُّ فِيهِ النَّافِلَةُ، وَإِلَّا جَلَسَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ حَقُّ اللَّهِ وَالسَّلَامُ حَقُّ آدَمِيٍّ.

وَالْأَوَّلُ آكَدُ مِنْ الثَّانِي وَذَكَرَ فِي سِفْرِ السَّعَادَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ ابْتَدَأَ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْعِبَادِ» اهـ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَرْكَعُ] أَيْ وُجُوبًا فِي وَقْتِ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَخُطْبَةِ الْجُمُعَةُ، وَنَدْبًا فِيمَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَوْ رَكَعَ لِقَطْعٍ وُجُوبًا فِي وَقْتِ الْمَنْعِ وَنَدْبًا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ أَحْرَمَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ثُمَّ تَذَكَّرَ، وَعَلِمَ فِيهَا بِأَنَّهُ وَقْتُ نَهْيٍ إلَّا مَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَحْرَمَ جَهْلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا يَقْطَعُ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي أَمْرِ الدَّاخِلِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ بِالنَّفْلِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْقَطْعِ فَهُوَ مُطْلَقُ عَقْدِ رَكْعَةٍ أَمْ لَا مَا لَمْ يَتِمَّ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْمَارَّ أَوْ الدَّاخِلَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ فِي وَقْتِ نَهْيٍ لَا يُطْلَبُ بِالتَّحِيَّةِ وَإِنَّمَا يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَقُولَ: أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَتَأَدَّتْ التَّحِيَّةُ بِفَرْضٍ وَأَوْلَى بِسُنَّةٍ وَرَغِيبَةٍ أَيْ سَقَطَ عَنْهُ الطَّلَبُ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ عِنْدَ نِيَّةِ الْفَرْضِ وَالتَّحِيَّةِ أَوْ نِيَابَةِ الْفَرْضِ عَنْهَا فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ سُقُوطِ الطَّلَبِ حُصُولُ الثَّوَابِ. [قَوْلُهُ: أَيْ سُنَّتُهُ] أَيْ طَرِيقَتُهُ فَيُصَدِّقُ بِالرَّغِيبَةِ الَّتِي هِيَ الْمُرَادُ هُنَا. [قَوْلُهُ: أَجْزَأَهُ لِذَلِكَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ إلَخْ] اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ لَا يُطْلَبُ فِيهِ تَحِيَّةٌ، وَالْإِجْزَاءُ عَنْ الشَّيْءِ فَرْعُ الطَّلَبِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِطَلَبِ التَّحِيَّةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَرْكَعُ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِنِيَّةِ الْإِعَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>