السُّجُودُ الْقَبْلِيُّ تَرَتَّبَ (مِنْ نَقْصِ شَيْءٍ خَفِيفٍ كَالسُّورَةِ) الَّتِي تُقْرَأُ (مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ أَوْ التَّكْبِيرَتَيْنِ أَوْ التَّشَهُّدَيْنِ وَشَبَهِ ذَلِكَ) كَتَحْمِيدَتَيْنِ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا إعَادَةَ وَلَا سُجُودَ، وَفِي الْجَلَّابِ يَسْجُدُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ فِي تَرْكِ السُّورَةِ أَوْ تَرْكِ التَّشَهُّدَيْنِ.
وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ وَكُلُّ سَهْوٍ بِنَقْصٍ إلَى آخِرِهِ صَادِقًا بِنَقْصِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَغَيْرِهَا شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِغَيْرِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ مِنْ فَرِيضَةٍ وَسُنَّةٍ غَيْرِ مُؤَكَّدَةٍ وَفَضِيلَةٍ وَبَدَأَ بِالْفَرِيضَةِ فَقَالَ: (وَلَا يُجْزِئُ سُجُودُ السَّهْوِ لِنَقْصِ رَكْعَةٍ وَلَا) لِنَقْصِ (سَجْدَةٍ وَلَا لِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا أَوْ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا وَكَذَلِكَ فِي تَرْكِ
ــ
[حاشية العدوي]
كَلَامِ الشَّيْخِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّأْخِيرِ بَعْدَ السَّلَامِ تَرْكٌ لَهُ.
[قَوْلُهُ: كَالسُّورَةِ] أَيْ أَنَّهَا سُنَّتَانِ خَفِيفَتَانِ ذَاتُهَا وَكَوْنُهَا سِرًّا أَوْ جَهْرًا أَيْ فَيَسْجُدُ لَهُمَا وَلَكِنْ إذَا تَرَكَ حَتَّى طَالَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهَذَا إذَا أَتَى بِالْقِيَامِ لَهَا وَإِلَّا فَتَبْطُلُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ ثَلَاثَ سُنَنٍ، وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِالْقِيَامِ لَهَا وَرُجِّحَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَكَلَامُ الْجُزُولِيِّ يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّفَقَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَيْثُ تَرَكَ السُّورَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ قَالَهُ عج، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالسُّورَةِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ لَوْ قَالَ بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ لَكَانَ أَوْضَحَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ أُمَّ الْقُرْآنِ مَتْرُوكَةٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَدْفُوعًا بِأَنَّ مَوْضُوعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي نُقْصَانِ شَيْءٍ خَفِيفٍ وَمِنْ حُسْنِ سَبْكِ هَذَا الشَّارِحِ تَقْدِيرُهُ قَبْلَ مَعَ الَّتِي تُقْرَأُ، فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى كَالسُّورَةِ الْمَتْرُوكَةِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ.
[قَوْلُهُ: أَوْ التَّشَهُّدَيْنِ] اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَوَّاقِ وَحِينَئِذٍ.
فَمَنْ تَرَكَ تَشَهُّدًا وَاحِدًا مَعَ الْجُلُوسِ لَهُ وَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَالَ الْأَمْرُ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ لِتَرْكِهِ السُّجُودَ الْمُتَرَتِّبَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ الْجُلُوسِ وَمُطْلَقِ التَّشَهُّدِ وَخُصُوصِ اللَّفْظِ، فَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ لَوْ تَرَكَ تَشَهُّدَيْنِ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلتَّشَهُّدِ الْوَاحِدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ خُصُوصَ اللَّفْظِ مَنْدُوبٌ، وَأَنَّهُ تَرَكَ التَّشَهُّدَيْنِ وَأَتَى بِالْجُلُوسِ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَيْسَ سُجُودُهُ إلَّا عَنْ سُنَّتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْوَاحِدِ، فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُرُورٌ عَلَى غَيْرِ الرَّاجِحِ فَتَدَبَّرْ، وَاعْتَرَضَ الْقَرَافِيُّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَائِلًا: لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْسَى التَّشَهُّدَيْنِ وَيَكُونُ السُّجُودُ لَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ سَهْوُهُ عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ إلَّا بِالسَّلَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا قَبْلَهُ ظَرْفٌ لِلتَّشَهُّدِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا يُتَصَوَّرُ فِي الرَّاعِفِ الْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَيُدْرِكُ الثَّانِيَةَ وَتَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِتَشَهُّدَيْنِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ لِإِمَامِهِ غَيْرِ تَشَهُّدِ السَّلَامِ، فَإِذَا تَرَكَ هَذَيْنِ التَّشَهُّدَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَقِيَّةُ مَسَائِلِ اجْتِمَاعِ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ لَا إعَادَةَ وَلَا سُجُودَ] أَيْ مَعَ الطُّولِ إذْ هُوَ مَوْضُوعُ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ السُّنَّتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ يَسْجُدُ لَهُمَا.
[قَوْلُهُ: وَفِي الْجَلَّابِ إلَخْ] هَذَا كَلَامٌ نَشَأَ عَنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي طَلَبِ أَصْلِ السُّجُودِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا خُوطِبَ بِالسُّجُودِ وَتَرْكُهُ حَتَّى طَالَ الْأَمْرُ، فَإِنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالسُّجُودِ بَعْدُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ عَنْ سُنَّتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُ سُجُودُ السَّهْوِ لِنَقْصِ رَكْعَةٍ إلَخْ] أَيْ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ تَيَقَّنَ تَرْكُهَا أَوْ شَكَّ فِيهِ حَالِ تَشَهُّدِهِ وَقَبْلَ سَلَامِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَكَيْفِيَّةُ الْإِتْيَانِ بِهَا أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا بَانِيًا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الرَّكَعَاتِ وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ.
وَيَسْجُدُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ السَّلَامِ لِانْقِلَابِ رَكَعَاتِهِ حَيْثُ كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ بَعْدَ السَّلَامِ لِتَمَحُّضِ الزِّيَادَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَقَبْلَ سَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي السُّجُودِ الْقَبْلِيِّ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَوْ سَلَّمَ.
[قَوْلُهُ: وَلَا لِنَقْصِ سَجْدَةٍ] أَيْ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ رَفْعٍ مِنْهُمَا وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي حَالِ قِيَامِهِ مَثَلًا أَوْ تَشَهُّدِهِ قَبْلَ سَلَامِهِ تَحَقَّقَ نَقْصُهَا أَوْ شَكَّ فِيهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَلَافِيهِ فِي مَحَلِّهِ وَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ فَيَشْمَلُ الظَّنَّ وَالشَّكَّ وَالْوَهْمَ هَذَا فِي الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي النَّقْصِ فِيهَا كَتَحَقُّقِهِ فِي وُجُوبِ الْإِتْيَانِ بِبَدَلِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ حَيْثُ لَا اسْتِنْكَاحَ بِخِلَافِ السُّنَنِ، فَلَا يَسْجُدُ لِنَقْصِهَا إلَّا عِنْدَ تَيَقُّنِ النَّقْصِ أَوْ التَّرَدُّدِ فِيهِ عَلَى