بِقُرْبِ تَشَهُّدِهِ (سَلَّمَ وَلَا سُجُودَ) سَهْوٍ (عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ سَلَّمَ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَالسَّلَامُ الثَّانِي وَاقِعٌ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَلَا وَجْهَ لِلسُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَلِّمْ فَقَدْ سَلَّمَ الْآنَ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ سَهْوٌ يَسْجُدُ لَهُ، وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِقَوْلِنَا: وَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَقَامِهِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ قَرِيبًا، وَلَكِنْ تَحَوَّلَ مِنْ مَقَامِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِتَكْبِيرَةٍ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ زَادَ، وَبِقَوْلِنَا وَكَانَ بِقُرْبِ تَشَهُّدِهِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا طَالَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ.
(وَمَنْ اسْتَنْكَحَهُ) أَيْ دَاخَلَهُ (الشَّكُّ فِي السَّهْوِ) فِي الصَّلَاةِ (فَلْيَلْهَ عَنْهُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ لَا غَيْرُ بِمَعْنَى يُضْرِبُ عَنْهُ لَا يُعَوِّلُ عَلَى مَا يَجِدُهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ إيجَابًا؛ لِأَنَّهُ بِنِيَّةٍ مِنْ الشَّيْطَانِ فَدَوَاؤُهُ الْإِلْهَاءُ فَإِذَا قَالَ لَهُ مَثَلًا: مَا صَلَّيْت إلَّا ثَلَاثًا فَيَقُولُ لَهُ: مَا صَلَّيْت إلَّا أَرْبَعًا، وَإِنَّ صَلَاتِي صَحِيحَةٌ. وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: إنَّ الْمُوَسْوِسَ يَبْنِي عَلَى أَوَّلِ خَاطِرَيْهِ وَهُوَ لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَاطِرِ الْأَوَّلِ سَلِيمُ الذِّهْنِ وَفِيمَا بَعْدَهُ شَبِيهٌ بِغَيْرِ الْعُقَلَاءِ، وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا.
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُرَجِّحُهُ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ وَيَقُولُ بِهِ وَيُوَجِّهُهُ بِأَنَّ الْمُسْتَنْكِحَ وَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَا يَنْضَبِطُ لَهُ الْخَاطِرُ الْأَوَّلُ مِمَّا بَعْدَهُ وَالْوُجُودُ يَشْهَدُ لِذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا إصْلَاحَ عَلَيْهِ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ فَلْيَلْهَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْإِصْلَاحِ هُوَ الْإِلْهَاءُ (وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ) اسْتِحْبَابًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ إلَى الزِّيَادَةِ أَقْرَبُ. ثُمَّ فَسَّرَ مَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ الَّذِي يَكْثُرُ ذَلِكَ) الشَّكِّ (مِنْهُ يَشُكُّ كَثِيرًا أَنْ يَكُونَ سَهَا وَنَقَصَ) وَفِي رِوَايَةٍ سَهَا زَادَ أَوْ نَقَصَ أَيْ سَهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ. ع: وَكَثْرَتُهُ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ أَوْ فِي كُلِّ
ــ
[حاشية العدوي]
أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَيَقَّنَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إنْ شَكَّ فِيهِ فَلَا يُجِيبُهُ فَإِنْ أَجَابَ بَطَلَتْ، وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْظَرَهُ؟ وَلَوْ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى قَوْلِهِ أَعْمَى لَكَانَ أَفْضَلَ لِيَشْمَلَ الصَّغِيرَ وَالْمُصْحَفِ وَالْمَالِ وَالدَّابَّةِ.
[قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَقَامِهِ] أَيْ وَلَمْ يَنْحَرِفْ.
[قَوْلُهُ: وَلَكِنْ تَحَوَّلَ إلَخْ] وَمِثْلُهُ لَوْ طَالَ طُولًا مُتَوَسِّطًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِتَكْبِيرٍ فَلَوْ لَمْ يَتَحَوَّلْ إلَّا أَنَّهُ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَيُسَلِّمُ وَلَا يَتَشَهَّدُ وَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ.
[قَوْلُهُ: فَلْيَلْهَ عَنْهُ] الْهَاءُ مَفْتُوحَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُضَارِعٌ لَهَا كَعَلِمَ وَخَشِيَ وَلَمَّا دَخَلَ الْجَازِمُ حُذِفَ أَلِفُهُ وَبَقِيَتْ الْفَتْحَةُ دَلِيلًا عَلَيْهَا.
[قَوْلُهُ: إيجَابًا] أَيْ وُجُوبًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُفِيدُهُ عج، وَقِيلَ نَدْبًا وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَلَوْ بَنَى الْمُسْتَنْكِحُ عَلَى الْأَقَلِّ وَلَمْ يَلْهُ عَنْهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَوْ عَمْدًا كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَصْلَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْ الْمُسْتَنْكِحِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ، فَإِذَا أَصْلَحَ فَعَلَ الْأَصْلَ [قَوْلُهُ: مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ] عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ.
[قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنَّمَا يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَى الزِّيَادَةِ أَقْرَبُ] أَيْ؛ لِأَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا؟ يَقْرُبُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى خَمْسًا [قَوْلُهُ: يَشُكُّ كَثِيرًا] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يَكْثُرُ ذَلِكَ مِنْهُ، أَيْ وَذَلِكَ بِأَنْ يَشُكَّ، وَقَوْلُهُ كَثِيرًا أَيْ زَمَنًا كَثِيرًا.
[قَوْلُهُ: سَهَا وَنَقَصَ] أَيْ سَهَا فَنَقَصَ أَيْ هَلْ نَقَصَتْ مِنْ صَلَاتِي مَا صَلَّيْت إلَّا ثَلَاثًا.
[قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ سَهَا زَادَ أَوْ نَقَصَ] صُورَتَانِ الْأُولَى يَشُكُّ هَلْ صَلَّيْت أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، وَالثَّانِيَةُ يَشُكُّ هَلْ صَلَّى أَرْبَعًا أَوْ ثَلَاثًا لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَلْيَلْهَ عَنْهُ وَلَا إصْلَاحَ عَلَيْهِ لَا يُعْقَلُ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ سَهَا بِنَقْصٍ لَا إنْ كَانَ سَهَا بِزِيَادَةٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْإِلْهَاءَ بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَسْجُدُ اسْتِنَانًا، فَلَا يُنَافِي أَنْ يَسْجُدَ نَدْبًا.
[قَوْلُهُ: أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ الشَّكُّ فِي الْوَسَائِلِ كَالْوُضُوءِ لِلشَّكِّ فِي الْمَقَاصِدِ كَالصَّلَاةِ، بَلْ كُلُّ عِبَادَةٍ تُفْرَدُ عَلَى حِدَتِهَا، فَإِذَا كَانَ شَكَّ يَوْمًا فِي الْوُضُوءِ مَثَلًا وَيَوْمًا فِي الصَّلَاةِ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكِحٍ خِلَافًا لِلشَّارِحِ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ أَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَنْكِحًا قَالَ عج وَظَهَر لِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ مَا جَرَى فِي مَسْأَلَةِ السَّلَسِ، فَإِذَا زَادَ مِنْ إتْيَانِهِ عَلَى