للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّذَكُّرُ عَنْ الِانْصِرَافِ (أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ) لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ السَّلَامَ) أَنَّ فِيهِ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ فَيَرْجِعُ إلَى الْجُلُوسِ إنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ فَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يُحْرِمُ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ وَيَتَشَهَّدُ، وَيَأْتِي بِالسَّلَامِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَحَلُّهُ إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ قَامَ مِنْ مَحَلِّهِ، أَمَّا إنْ تَذَكَّرَ بِالْقُرْبِ وَهُوَ جَالِسٌ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ سَلَّمَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ انْحَرَفَ عَنْهَا اسْتَقْبَلَهَا وَسَلَّمَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ.

(وَمَنْ لَمْ يَدْرِ مَا صَلَّى أَثَلَاثَ رَكَعَاتٍ أَمْ أَرْبَعًا) يَعْنِي وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا (بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) الَّتِي هِيَ الثَّالِثَةُ (وَصَلَّى مَا شَكَّ فِيهِ) وَهِيَ الرَّابِعَةُ فَقَوْلُهُ: (وَأَتَى بِرَابِعَةٍ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مَا شَكَّ فِيهِ (وَسَجَدَ بَعْدَ سَلَامِهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةٍ: يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» .

تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: قَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِغَيْرِ الْمُسْتَنْكِحِ احْتِرَازًا مِنْ الْمُسْتَنْكِحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ. وَإِنَّمَا عَلَيْهِ السُّجُودُ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ.

(الثَّانِي) : رُوِيَ قَوْلُهُ أَمْ أَرْبَعًا بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ.

(وَمَنْ) كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا وَ (تَكَلَّمَ) فِي صَلَاتِهِ كَلَامًا يَسِيرًا (سَاهِيًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ) لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ إذْ هُوَ مَعْذُورٌ فَيَنْجَبِرُ سَهْوُهُ بِالسُّجُودِ، وَقَيَّدْنَا بِالْإِمَامِ وَالْفَذِّ احْتِرَازًا مِنْ الْمَأْمُومِ فَإِنَّ الْإِمَامَ كَمَا تَقَدَّمَ يَحْمِلُ سَهْوَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فَرِيضَةً، وَبِالْيَسِيرِ احْتِرَازًا مِنْ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ، وَاحْتُرِزَ بِالسَّاهِي مِنْ الْعَامِدِ وَالْجَاهِلِ وَالْمُكْرَهِ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِإِنْقَاذِ أَعْمَى مَثَلًا فَإِنَّ صَلَاتَهُمْ بَاطِلَةٌ.

(وَمَنْ لَمْ يَدْرِ أَسَلَّمَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ) وَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَقَامِهِ وَكَانَ

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ عِنْدَ أَشْهَبَ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَشْهَبَ وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا وَصَلَّى قُرْبَ بَابِهِ فَإِنْ صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ فَالْبُعْدُ عِنْدَهُ أَنْ يُصَلِّ الْمُصَلِّي بَعْدَ انْصِرَافِهِ إلَى مَحَلٍّ لَا يُمْكِنُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهِ لِمَنْ يَكُونُ فِي مَحَلِّ مَا صَلَّى، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَهُوَ التَّحْدِيدُ لِلْقُرْبِ وَالْبَعْدِ بِالْعُرْفِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ [قَوْلُهُ: فَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يُحْرِمُ بِهَا] هَذَا إذَا فَارَقَ مَوْضِعَهُ كَمَا سَنَقُولُ، أَيْ أَوْ طَالَ طُولًا مُتَوَسِّطًا.

[قَوْلُهُ: أَوْ خَرَجَ] أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ.

[قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ] وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ انْحَرَفَ عَنْهَا] أَيْ مَعَ الْقُرْبِ وَالْمُرَادُ انْحِرَافٌ لَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، لَا إنْ انْحَرَفَ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ جَامِعِ عَمْرٍو فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ وَقَوْلُهُ اسْتَقْبَلَهَا إلَخْ، أَيْ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ وَلَا تَشَهُّدٍ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ خَمْسَةٌ قَدْ ظَهَرَتْ مِنْ الشَّارِحِ مَعَ مَا زِدْنَاهُ.

[قَوْلُهُ: بَنِي عَلَى الْيَقِينِ] أَيْ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ.

[قَوْلُهُ: وَصَلَّى مَا شَكَّ فِيهِ] أَيْ فِي تَرْكِهِ وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ.

[قَوْلُهُ: تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مَا شَكَّ فِيهِ] أَيْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّ قَوْلَهُ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ الَّذِي هُوَ الثَّالِثَةُ وَصَلَّى مَا شَكَّ فِيهِ الَّتِي هِيَ الرَّابِعَةُ، ثُمَّ قَالَ وَأَتَى بِرَابِعَةٍ فَهِيَ رَابِعَةٌ فِي اللَّفْظِ خَامِسَةٌ فِي الْمَعْنَى.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ إلَخْ] يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ سَلَامَةَ الْأُولَتَيْنِ.

[قَوْلُهُ: رُوِيَ قَوْلُهُ] أَيْ الْمُصَنِّفِ.

[قَوْلُهُ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ] التَّقْدِيرُ أَمْ الَّذِي صَلَّاهُ أَرْبَعٌ

[وَمَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا] أَيْ عَنْ كَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ عَنْ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا بِهِ.

[وَاحْتُرِزَ بِالسَّاهِي مِنْ الْعَامِدِ] أَيْ إلَّا مَا كَانَ لِإِصْلَاحِهَا فَلَا تَبْطُلُ بِهِ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ فِي نَفْسِهِ وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ.

[قَوْلُهُ: وَالْمُكْرَهُ] الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى تَرْكِ الرُّكْنِ الْفِعْلِيِّ أَنَّ مَا يَتْرُكُ مِنْهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَيُؤْتَى بِبَدَلِهِ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْكَلَامِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ وَنِسْيَانِهِ أَنَّ النَّاسِيَ لَا شُعُورَ عِنْدَهُ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ لِإِنْقَاذِ أَعْمَى] وَأَمَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِإِجَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>