للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاللَّامُ فِي (لِمَا) لِلتَّعْلِيلِ وَمَا مَوْصُولَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ سَأَلَتْنِي فَأَجَبْتُك لِأَجْلِ الَّذِي (رَجَوْتُهُ) أَيْ طَمِعْت فِيهِ (لِنَفْسِي وَلَكَ مِنْ ثَوَابِ) أَيْ جَزَاءِ (مَنْ عَلَّمَ دِينَ اللَّهِ أَوْ دَعَا إلَيْهِ) قِيلَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ؛ لِأَنَّ التَّأْلِيفَ تَعْلِيمٌ وَالتَّعْلِيمُ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ، فَهُوَ دَاعٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَقَدْ قَامَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَمُحْرِزٌ دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ حَقِيقَةً ثُمَّ حَثَّ عَلَى تَعْظِيمِ الْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ: (وَاعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ الْقُلُوبِ أَوْعَاهَا) أَيْ أَحْفَظُهَا (لِلْخَيْرِ وَأَرْجَى) أَيْ أَقْرَبُ (الْقُلُوبِ لِلْخَيْرِ مَا) أَيْ الْقَلْبُ الَّذِي (لَمْ يَسْبِقْ الشَّرُّ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْبِقْ الشَّرُّ إلَيْهِ قَبِلَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ أَحْسَنَ قَبُولٍ، وَإِذَا سَبَقَ إلَيْهِ اعْتِقَادُ الشَّرِّ عَظُمَتْ الْحِيلَةُ فِي إزَالَتِهِ كَالْآنِيَةِ الْجَدِيدَةِ يُجْعَلُ

ــ

[حاشية العدوي]

مَسْئُولِك [قَوْلُهُ: أَيْ طَمِعْت] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ تَعَلَّقَ قَلْبِي بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الطَّمَعَ قَبِيحٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ جَزَاءِ] فَسَّرَ الثَّوَابَ بِالْجَزَاءِ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الثَّوَابَ مِقْدَارٌ مِنْ الْجَزَاءِ يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى يُعْطِيهِ لِعِبَادِهِ فِي نَظِيرِ أَعْمَالِهِمْ الْحَسَنَةِ الْمَقْبُولَةِ. [قَوْلُهُ: مَنْ عَلَّمَ دِينَ اللَّهِ] الْمُرَادُ بِالدِّينِ مُطْلَقُ الْأَحْكَامِ، اعْتِقَادِيَّةً أَوْ فَرْعِيَّةً.

[قَوْلُهُ: قِيلَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ] وَقِيلَ: إنَّ أَوْ تَنْوِيعِيَّةٌ فَالْمُعَلِّمُ الْمُصَنِّفُ، وَالدَّاعِي مُحْرَزٌ. [قَوْلُهُ: وَالتَّعْلِيمُ فِعْلٌ] الْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ، وَفِي الْعِبَارَةِ قَضِيَّةٌ مَحْذُوفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ وَالتَّأْلِيفُ كَذَلِكَ، وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ قِيَاسٌ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ وَصُورَتُهُ التَّأْلِيفُ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ تَعْلِيمٌ فَيَنْتُجُ: التَّأْلِيفُ تَعْلِيمٌ، وَمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ تُفِيدُهُ عِبَارَتُهُ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي.

[قَوْلُهُ: فَهُوَ دَاعٍ] مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَضِيَّةٍ مَحْذُوفَةٍ مُرْتَبِطَةٍ بِالْقَضِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمَحْذُوفَةِ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: التَّعْلِيمُ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ وَالتَّأْلِيفُ كَذَلِكَ أَيْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَتَرْتِيبُ الْعِلْمِ إلَى التَّأْلِيفِ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ التَّنَاوُلِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْلِيفِ بِدُونِ التَّنَاوُلِ، فَصَارَ الْمُصَنِّفِ: بِذَلِكَ دَاعِيًا وَإِنْ شِئْت قُلْت: وَالتَّأْلِيفُ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ، وَالْعِلْمُ مَحْمُودٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَهُوَ حَاصِلٌ مِنْ التَّأْلِيفِ فَبِهَذَا يَكُونُ الْمُصَنِّفُ دَاعِيًا. [قَوْلُهُ: وَقَدْ قَامَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ] أَيْ وَقَدْ قَامَ الْمُصَنِّفُ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَلَّفَ فَيَكُونُ مُعَلِّمًا أَوْ وَقَدْ قَامَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّأْلِيفِ الَّذِي وَقَعَ مَوْضُوعًا لِلْقَضِيَّةِ الْمَحْذُوفَةِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إلَخْ مُحْتَوٍ عَلَى دَعْوَتَيْنِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ تَحْتَهَا طَرَفَانِ الْأُولَى مُحْرَزٌ دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ وَهَذِهِ بِطَرَفَيْهَا ظَاهِرَةٌ وَإِلَيْهَا يُشِيرُ الشَّارِحُ آخِرَ الْعِبَارَةِ بِقَوْلِهِ: مُحْرَزٌ دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ، وَحَقِيقَةُ الثَّانِيَةِ الْمُصَنِّفُ دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ وَفِيهَا خَفَاءٌ مِنْ جِهَةِ الطَّرَفَيْنِ، فَبَيَّنَ الشَّارِعُ الطَّرَفَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ قَوْلُنَا: الْمُصَنِّفُ دَاعٍ بِقَوْلِهِ: فَهُوَ دَاعٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ تَفَرُّعِهِ عَلَى الْمَحْذُوفَةِ، وَبَيَّنَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ: وَالتَّعْلِيمُ فِعْلٌ، وَقَدْ قَامَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَلَّفَ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمًا أَوْ وَقَدْ قَامَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّأْلِيفِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمًا.

وَقَوْلُهُ الْمُصَنِّفُ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ. [قَوْلُهُ: وَمُحْرَزٌ دَاعٍ] أَيْ دَاعٍ إلَى تَعْلِيمِ دِينِ اللَّهِ كَمَا يُفِيدُهُ تت، أَيْ إمَّا مِنْ حَيْثُ سُؤَالُهُ الْمُصَنِّفَ تَأْلِيفَ هَذَا الْكِتَابِ أَوْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَدْعُو الْوِلْدَانَ لِلتَّعْلِيمِ ثُمَّ يُعَلِّمُهُمْ.

تَنْبِيهٌ: تَرَجَّى الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يَقْطَعْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ لِلْعَمَلِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ وَالثَّوَابُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْقَبُولِ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ خَيْرَ] أَيْ أَحْسَنَهَا، وَقَوْلُهُ: أَوْعَاهَا لِلْخَيْرِ أَيْ ضِدُّ الشَّرِّ فَلَمْ يَتَّحِدْ الْخَيْرَانِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرَكَتْ فِي الْحُسْنِ وَحِفْظِ الْخَيْرِ وَأَحْسَنُهَا مَا كَانَ أَحْفَظَ لِلْخَيْرِ فَكُلٌّ مِنْ خَيْرِ الْأَوَّلِ، وَأَوْعَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ دُونَ خَيْرِ الثَّانِي فَلَيْسَ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الشَّرِّ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: أَيْ الْقَلْبُ الَّذِي إلَخْ] جَعَلَ مَا اسْمًا مَوْصُولًا وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ إذْ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً أَيْ قَلْبٌ لَمْ يَسْبِقْ الشَّرُّ إلَيْهِ. [قَوْلُهُ: الشَّرُّ] أَيْ الْمَعْصِيَةُ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا سَبَقَ إلَيْهِ اعْتِقَادُ الشَّرِّ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُ اعْتِقَادُ إذْ حُبُّ الْمَعْصِيَةِ شَرٌّ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقِدًا.

[قَوْلُهُ: يُجْعَلُ فِيهَا الْقَطِرَانُ] اقْتَصَرَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>