للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِمَامِ رَكْعَةً (فَ) إنَّهُ (لَا يَبْنِي) فِيهَا (إلَّا فِي الْجَامِعِ) مِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَائِلًا؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْجَامِعِ ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَوْدِهِ إلَى الْجَامِعِ حَائِلٌ أَمْ لَا هُوَ الْمَشْهُورُ، فَإِنْ مَنَعَهُ حَائِلٌ إلَى الْجَامِعِ قَبْلَ تَمَامِ صَلَاتِهِ بَطَلَتْ جُمُعَتُهُ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَةٍ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا كَرَّرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الرُّعَافِ أَخَذَ يُفَرِّقُ بَيْنَ يَسِيرِ الدَّمِ وَكَثِيرِهِ فَقَالَ: (وَيُغْسَلُ قَلِيلُ الدَّمِ) ظَاهِرُهُ مِنْ أَيِّ دَمٍ كَانَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (مِنْ الثَّوْبِ) يَعْنِي وَالْجَسَدِ وَالْبُقْعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ دُخُولُهَا مَعَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ: غَسْلُهُ مَنْدُوبٌ وَالْعَفْوُ عَنْهُ مُطْلَقًا كَسَائِرِ الْمَعْفُوَّاتِ فِي وُجُودِ الصَّلَاةِ وَعَدَمِهَا قَالَهُ د.

وَقَالَ ع: يُرِيدُ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ بِالْغَسْلِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَكَذَا قَالَ ج، وَزَادَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ إلَّا مِنْ كَثِيرِهِ) قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ: إنَّ يَسِيرَ الدَّمِ جِدًّا لَا أَثَرَ لَهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ انْتَهَى الْيَسَارَةُ وَالْكَثْرَةُ مُعْتَبَرَةٌ بِالْعُرْفِ، وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَأَشَارَ مَالِكٌ فِي

ــ

[حاشية العدوي]

فِيهِ.

[قَوْلُهُ: فَلَا يَبْنِي إلَّا فِي الْجَامِعِ] أَيْ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيهِ وَلَوْ ظَنَّ فَرَاغَ إمَامِهِ؛ لِأَنَّ الْجَامِعَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَلَا يُتِمُّهَا بِرِحَابِهِ وَلَوْ كَانَ ابْتَدَأَهَا بِهِ لِضِيقٍ أَوْ اتِّصَالِ صُفُوفٍ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْحَطَّابُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَصِحُّ إتْمَامُهَا فِي الرِّحَابِ وَقَوْلُنَا الَّذِي ابْتَدَأَهَا فِيهِ، أَيْ وَلَا يُكَلَّفُ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَعَ الْإِمَامِ بَلْ يَكْفِي أَيُّ مَوْضِعٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي لِكَثْرَةِ الْفِعْلِ وَكَثْرَتُهُ تُبْطِلُ وَلَوْ صَلَّى فِي جَامِعٍ غَيْرِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ مِنْ تت وَعِجْ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] وَمُقَابِلُهُ إنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَامِعِ حَائِلٌ كَسَيْلٍ مَثَلًا أَجْزَأَتْهُ مَكَانَهُ وَإِلَّا رَجَعَ لِلْجَامِعِ.

[قَوْلُهُ: بَطَلَتْ] وَهَذَا لَا يُنَافِي كَمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُضِيفَ رَكْعَةً إلَى رَكْعَةٍ لِتَصِيرَ لَهُ نَافِلَةً وَيَبْتَدِئُ ظُهْرًا بِإِحْرَامٍ.

[قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ مِنْ أَيِّ دَمٍ كَانَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، إنَّمَا هُوَ فِي الْعَفْوِ عَنْ الدِّرْهَمِ فَالْمَشْهُورُ يَقُولُ بِالْعَفْوِ عَنْهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ جَسَدِ الْإِنْسَانِ أَوْ مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ الْعَفْوُ مَقْصُورٌ عَلَى الصُّورَةِ الْأُولَى وَخَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَفْوَ بِمَا عَدَا الْحَيْضَ وَالْمَيِّتَةَ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ مُنَاسَبَةَ تِلْكَ الْعِبَارَةِ لِذَلِكَ الْمَقَامِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ عَلَى الْغُسْلِ الْمَذْكُورِ بِالِاسْتِحْبَابِ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ إذْ هُوَ يُؤْذِنُ بِأَنَّ هَذَا الدَّمُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَسْلُهُ مَنْدُوبٌ] قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ غَسْلُ قَلِيلِ الدَّمِ قِيلَ وَاجِبٌ، أَيْ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ وَقِيلَ مَنْدُوبٌ لِعَدَمِ الْإِعَادَةِ بِعَدَمِ غَسْلِهِ اهـ.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَقِيلَ غَسْلُهُ مَنْدُوبٌ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُجُوبِ غَسْلِ قَلِيلِ الدَّمِ ضَعِيفٌ هَذَا عَلَى مَا فَهِمَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ.

[قَوْلُهُ: وَالْعَفْوُ عَنْهُ مُطْلَقًا] يَحْتَمِلُ أَنَّ تَفْسِيرَهُ فِي وُجُودِ الصَّلَاةِ وَعَدَمِهَا أَيْ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ وَفِي حَالِ عَدَمِهَا، وَيَحْتَمِلُ مِنْ أَيِّ دَمٍ كَانَ وَيَحْتَمِلُ فِي الْجَسَدِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ، وَقَوْلُهُ وَعَدَمِهَا، أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَتَلَطُّخِ الْبَدَنِ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّلَطُّخَ حَرَامٌ.

[قَوْلُهُ: وَقَالَ ع بَرِيدُ يَعْنِي الْمُصَنِّفُ إلَخْ] أَيْ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُغْسَلُ قَلِيلُ الدَّمِ، أَيْ نَدْبًا لَا وُجُوبًا، وَنَقَصَ الشَّارِحُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ شَيْئًا إذْ هُوَ قَالَ: يَعْنِي الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: قَلِيلُ الدَّمِ مَا لَمْ يَنْدُرْ جِدًّا اهـ.

الْمُرَادُ مِنْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُدَوَّنَةِ [قَوْلُهُ: قَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ غَسْلَ الْقَلِيلِ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا جِدًّا أَمْ لَا، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا جِدًّا لَا أَثَرَ لَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي التَّقْرِيرِ كَمَا يُعْلَمُ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ نَاجِي، فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّ يَسِيرَ الدَّمِ جِدًّا لَا أَثَرَ لَهُ هُوَ الْمُقَابِلُ لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَيْ أَنَّهُ مَذْهَبُهَا كَمَا هُوَ مُفَادُ عِبَارَتِهِ، وَعَرَفْت أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ فِي غَسْلِ الْقَلِيلِ لَا فِي الْكَثِيرِ، وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ زَرُّوقٍ الْقَائِلِ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ وُجُوبُ غَسْلِ الْقَلِيلِ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ] أَيْ أَنَّ الْمَشْهُورَ الدِّرْهَمُ الْبَغْلِيُّ.

[قَوْلُهُ: وَفَسَّرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ إلَخْ] أَيْ فَسَّرَ الدِّرْهَمَ الْبَغْلَيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>