تَعَالَى، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ تَعْلِيمَ الصِّبْيَانِ يَرُدُّ الْعَذَابَ الْوَاقِعَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ آبَائِهِمْ أَوْ عَمَّنْ تَسَبَّبَ فِي تَعْلِيمِهِمْ أَوْ عَنْ مُعَلِّمِهِمْ أَوْ عَنْهُمْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ أَوْ عَنْ الْمَجْمُوعِ، أَوْ يَرُدُّ الْعَذَابَ عُمُومًا، وَالْحَدِيثُ الثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَأَنَّ) أَيْ وَرُوِيَ أَنَّ (تَعَلُّمَ الشَّيْءِ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ) (ع) زَادَ فِي النَّوَادِرِ: وَالتَّعَلُّمُ فِي الْكِبَرِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْمَاءِ، قُلْت: الْحَدِيثُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ «مَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ فِي صِغَرِهِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ فِي الْكِبَرِ كَاَلَّذِي يَكْتُبُ عَلَى الْمَاءِ» .
وَأَنْشَدَ نِفْطَوَيْهِ:
أَرَانِي أَنْسَى مَا تَعَلَّمْت فِي الْكِبَرْ ... وَلَسْت بِنَاسٍ مَا تَعَلَّمْت فِي الصِّغَرْ
وَمَا الْعِلْمُ إلَّا بِالتَّعَلُّمِ فِي الصِّبَا ... وَمَا الْحِلْمُ إلَّا بِالتَّحَلُّمِ فِي الْكِبَرْ
فَلَوْ فَلَقَ الْقَلْبَ الْمُعَلِّمُ فِي الصِّبَا ... لَأَلْفَى فِيهِ الْعِلْمَ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرْ
وَمَا الْعِلْمُ بَعْدَ الشَّيْبِ إلَّا تَعَسُّفٌ ... إذَا كَلَّ قَلْبُ الْمَرْءِ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرْ
ــ
[حاشية العدوي]
بِالِانْتِقَامِ. [قَوْلُهُ: الْوَاقِعَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ] أَيْ بِسَبَبِ إرَادَةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْغَضَبِ الَّذِي يُضَافُ لِلَّهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِمَا عَلِمْته [قَوْلُهُ: عَنْ آبَائِهِمْ] ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَسَبَّبُوا فِي تَعْلِيمِهِمْ، وَقَوْلُهُ: أَوْ عَمَّنْ تَسَبَّبَ فِي تَعْلِيمِهِمْ وَلَوْ غَيْرَ آبَائِهِمْ.
[قَوْلُهُ: أَوْ عَنْ الْمَجْمُوعِ] أَيْ جُمْلَةِ مَنْ تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: أَوْ يَرُدُّ الْعَذَابَ عُمُومًا] أَيْ عَنْ هَؤُلَاءِ وَعَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْخَلْقِ، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِ الشَّارِحِ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ مُعَلَّلًا لَهُ بِمَا وَرَدَ مَعْنَاهُ: لَوْلَا صِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا. [قَوْلُهُ: كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ] أَيْ فَكَمَا أَنَّ النَّقْشَ فِي الْحَجَرِ لَهُ أَثَرٌ ظَاهِرٌ مُسْتَمِرٌّ كَذَلِكَ التَّعْلِيمُ فِي الصِّغَرِ. [قَوْلُهُ: كَالنَّقْشِ عَلَى الْمَاءِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَثَرَهُ ذَاهِبٌ لَا ثَبَاتَ لَهُ.
[قَوْلُهُ: مِثْلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ إلَخْ] أَيْ مِثْلُ تَعَلُّمِ الَّذِي يَتَعَلَّمُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ. [قَوْلُهُ: نِفْطَوَيْهِ إلَخْ] قَالَ الدُّلَجِيُّ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الشِّفَاءِ.
قَالَ نِفْطَوَيْهِ إلَخْ مَا نَصُّهُ: نِفْطَوَيْهِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهِ وَهُوَ وَأَمْثَالُهُ عِنْدَ النُّحَاةِ بِوَاوٍ مَفْتُوحٌ مَا قَبْلَهَا سَاكِنٌ مَا بَعْدَهَا، وَبِالْفَارِسِيَّةِ وَاوُهُ سَاكِنَةٌ مَضْمُومٌ مَا قَبْلَهَا مَفْتُوحٌ مَا بَعْدَهَا ثُمَّ هَاءٌ وَالتَّاءُ خَطَأٌ وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ اهـ. بِلَفْظِهِ قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ عَلَى قَوْلِهِ نِفْطَوَيْهِ: هُوَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَرَفَةَ الْأَزْدِيُّ النَّحْوِيُّ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اهـ.
[قَوْلُهُ: أَرَانِي] أَيْ أُبْصِرُ نَفْسِي. وَقَوْلُهُ: أَنْسَى أَيْ نَاسِيًا أَيْ أُبْصِرُ نَفْسِي حَالَةَ كَوْنِي نَاسِيًا مَا تَعَلَّمْت فِي الْكِبَرْ أَوْ أَعْلَمُ نَفْسِي نَاسِيًا إلَخْ. [قَوْلُهُ: مَا تَعَلَّمْت فِي الْكِبَرْ] لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِنْ تَفَاوَتَ بِدَلِيلِ الْمَقَامِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا عَدَا الشَّبُوبَةَ وَبِالصِّبَا الشَّبُوبَةَ، وَيَكُونُ ذِكْرُ الْأَبْيَاتِ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْجُمْلَةِ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت فِي شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ مَا يُفِيدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ حَالَ الصِّغَرِ يَتَفَاوَتُ وَكُلَّمَا كَانَ أَنْزَلَ مِنْ الْبُلُوغِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ كَانَ التَّعَلُّمُ فِيهِ أَثْبَتُ مِمَّا كَانَ فَوْقَهُ مِمَّا كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْبُلُوغِ، وَلَفْظُ الْكِبَرْ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَكَذَا الرَّاءُ الْوَاقِعَةُ رَوِيًّا وَالْبُيُوتُ مِنْ الطَّوِيلِ.
[قَوْلُهُ: وَمَا الْعِلْمُ] الرَّاسِخُ أَيْ وَمَا يَكُونُ الْعِلْمُ الرَّاسِخُ.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ: وَهَذَا غَالِبِيٌّ فَقَدْ تَفَقَّهَ الْقَفَّالُ وَالْقُدُورِيُّ بَعْدَ الشَّيْبِ فَفَاقَا الشَّبَابَ. [قَوْلُهُ: وَمَا الْحِلْمُ إلَّا بِالتَّحَلُّمِ] بِاللَّامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَالْحِلْمُ الْأَنَاةُ وَالْعَقْلُ وَالتَّحَلُّمُ تَكَلُّفُهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْقَامُوسُ، أَيْ وَمَا الْحِلْمُ الْمُعْتَبَرُ إلَّا بِالتَّحَلُّمِ أَيْ تَكَلُّفُهُ فِي الْكِبَرِ. وَالْمُتَكَلَّفُ فِيهِ يَأْتِي عَلَى أَبْلَغِ مَا يُمْكِنُ.
[قَوْلُهُ: لَأَلْفَى فِيهِ إلَخْ] أَيْ لَوَجَدَ فِيهِ الْعِلْمَ، وَقَوْلُهُ: كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ حِسًّا بَلْ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ رُسُوخِهِ وَثُبُوتِهِ، وَأَرَادَ بِالنَّقْشِ الْأَثَرَ الظَّاهِرَ فِي الْحَجَرِ لَا الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَوْصَافِ الشَّخْصِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ الشَّيْبِ] الْمُرَادُ بِهِ مَا بَعْدَ الصِّبَا بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصِّبَا مَا يَشْمَلُ الشَّبُوبَةَ، وَالشَّيْبُ مَا عَدَاهَا. [قَوْلُهُ: إلَّا تَعَسُّفٌ] الْمَعْنَى وَمَا الْعِلْمُ مُتَّصِفٌ بِحَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ بَعْدَ الشَّيْبِ إلَّا لِتَعَسُّفٍ