الْجُمَعِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ هَذِهِ الْجَمَاعَةُ الْمَخْصُوصَةُ بَلْ تَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا بَاقِينَ لِتَمَامِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا بَالِغِينَ ثُمَّ أَشَارَ إلَى شَرْطٍ آخَرَ فَقَالَ: (وَالْخُطْبَةُ فِيهَا) أَيْ الْجُمُعَةُ (وَاجِبَةٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا بِلَا خُطْبَةٍ، فَإِذَا تَرَكَهَا لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ، فَإِذَا صَلَّوْا بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أَعَادُوا فِي الْوَقْتِ فَإِنْ لَمْ يُعِيدُوا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَهَا ظُهْرًا.
وَلِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ شُرُوطٌ مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (قَبْلَ الصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: ١٠] وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ: وَلِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِعْلِ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ وَالتَّابِعِينَ، فَإِنْ جَهِلَ وَصَلَّى بِهِمْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ أَعَادَ الصَّلَاةَ فَقَطْ، وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ أَعَادَهَا فَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا فَلَا تُجْزِئُهُ، فَقَوْلُ الشَّيْخِ: قَبْلَ الصَّلَاةِ يَعْنِي بَعْدَ الزَّوَالِ، وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ بِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ اثْنَتَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
فَإِنْ خَطَبَ وَاحِدَةً وَصَلَّى أَعَادَ الْجُمُعَةَ وَكَذَلِكَ إنْ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ وَلَمْ يَخْطُبْ مِنْ الثَّانِيَة مَالَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ لَمْ تَجْزِهِمْ، وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ فَإِنْ هَلَّلَ وَكَبَّرَ لَمْ يُجْزِهِ، وَقِيلَ: إنَّ أَقَلَّهُ حَمْدُ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
[حاشية العدوي]
الْمَعَاشِ الْحَاجِيِّ لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ، وَفِي شُرُوحِ خَلِيلٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ.
[قَوْلُهُ: الْحَاجِيُّ] أَيْ الَّذِي يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ إلَخْ] أَيْ كَوْنِ الْجُمُعَةِ لَا بُدَّ أَنْ تُقَامَ فِيمَا تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمَوْصُوفِينَ بِالدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ إلَخْ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ تُقَامُ، وَأَمَّا مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ هَذَا تَقْرِيرُ الشَّارِحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى مَا كَانَ يُمْكِنُهُمْ الْإِقَامَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ مَعَ الْأَمْنِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مِنْهُمْ إلَّا اثْنَا عَشَرَ غَيْرُ الْإِمَامِ بَاقِينَ لِسَلَامِهِ، لَا إنْ أَحْدَثَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ شَافِعِيًّا لَمْ يُقَلِّدْ مَالِكًا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ سُنَّةٌ حَكَاهُمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ [قَوْلُهُ: أَعَادُوا فِي الْوَقْتِ] أَيْ أَعَادُوا جُمُعَةً مَا دَامَ وَقْتُهَا لِلْغُرُوبِ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا الزَّوَالُ وَيَمْتَدُّ لِلْغُرُوبِ.
[قَوْلُهُ: وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ] أَيْ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: {فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: ١٠] ، وَقَوْلُهُ: وَالتَّعْقِيبِ أَيْ فَمِنْ كَوْنِهَا لِلتَّعْقِيبِ أَيْضًا لَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ كَوْنَ الِانْتِشَارِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ بِأَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْبَعْدِيَّةَ ظَرْفٌ مُتَّسِعٌ.
[قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ بِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ] أَيْ تَصِحُّ بِهِمْ دَوَامًا وَهُمْ الِاثْنَا عَشَرَ وَهُمْ الْأَحْرَارُ الذُّكُورُ الْمُتَوَطِّنُونَ بِهَا بَاقِينَ لِسَلَامِهَا، وَلَا يَضُرُّ رُعَافُ بِنَاءٍ لِأَحَدِهِمْ لِعَدَمِ خُرُوجِهِ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ فَسَدَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، فَإِنْ حَضَرَ ثَالِثَ عَشَرَ فِي الصَّلَاةِ دُونَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ حَصَلَ عُذْرٌ لِوَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْحَاضِرِينَ لِلْخُطْبَةِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالثَّالِثِ عَشَرَ كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ عَبْدُ الْبَاقِي عَلَى خَلِيلٍ.
[قَوْلُهُ: اثْنَتَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ] مُقَابِلُهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَتَيْنِ، فَإِنْ نَسِيَ الثَّانِيَةَ أَوْ تَرَكَهَا أَجْزَأَهُمْ قَالَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ.
[قَوْلُهُ: أَعَادَ الْجُمُعَةَ إلَخْ] أَيْ أَعَادَ الصَّلَاةَ أَيْ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِالصَّلَاةِ يَسِيرٌ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِبُطْلَانِ الْخُطْبَةِ الْأُولَى.
قَالَ بَعْضٌ: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ اتِّصَالُ أَجْزَاءِ كُلِّ خُطْبَةٍ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ اهـ.
وَكَذَا يَجِبُ اتِّصَالُ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ بِالْأُولَى وَيَسِيرُ الْفَصْلِ عَفْوٌ كَمَا أَفَدْنَاهُ. قَالَ الْحَطَّابُ: وَمِنْ شُرُوطِ الْخُطْبَتَيْنِ اتِّصَالُهُمَا بِالصَّلَاةِ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَلَمْ يَخْطُبْ مِنْ الثَّانِيَةِ] أَيْ أَوْ مِنْ الْأُولَى مَا لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ ظَاهِرُهُ وَلَوْ اشْتَمَلَ عَلَى تَحْذِيرٍ وَتَبْشِيرٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا لَهَا بَالٌ. [قَوْلُهُ: مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْكَلَامِ مُسْجَعٌ مُخَالِفٌ النَّظْمَ وَالنَّثْرَ، يَشْتَمِلُ عَلَى نَوْعٍ