للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِمَامُ مَنْ لَا يَجُوزُ سَبُّهُ أَوْ مَدْحَ مَنْ لَا يَجُوزُ مَدْحُهُ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ الْكَلَامُ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ بِمَا لَا يَجُوزُ، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا، وَإِذَا عَطَسَ هُوَ حَمِدَ اللَّهَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا وَلَا يُجِبْ مَنْ تَكَلَّمَ وَلَا يَشْرَبُ الْمَاءَ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] عَلَى أَحَدِ التَّفَاسِيرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ.

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْت» سُمِّيَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ لَغْوًا فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَاللَّغْوُ الْكَلَامُ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْكَلَامَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ بَيْنَ النُّزُولِ مِنْ الْمِنْبَرِ وَالصَّلَاةِ جَائِزٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَيَجُوزُ الْكَلَامُ حَالَ الْخُطْبَةِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا الذِّكْرُ الْقَلِيلُ عِنْدَ سَبَبِهِ، وَالتَّأْمِينُ عِنْدَ سَمَاعِ

ــ

[حاشية العدوي]

الْمَسْجِدِ مَثَلًا وَهُوَ فِي حَالِ خُطْبَتِهِ.

[قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

[قَوْلُهُ: إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ بِمَا لَا يَجُوزُ إلَخْ] بِأَنْ سَبَّ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ سَبُّهُ أَوْ مَدْحَ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مَدْحُهُ، أَيْ كَانَ غَيْرَ حَرَامٍ كَقِرَاءَتِهِ كِتَابًا غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِالْخُطْبَةِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا] أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ لِمَنْ سَمِعَ رَجُلًا عَطَسَ وَحَمِدَ اللَّهَ يَرْحَمُك اللَّهُ [قَوْلُهُ: هُوَ] أَيْ السَّامِعُ [قَوْلُهُ: حَمِدَ اللَّهَ سِرًّا] أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ أَيْ أَنَّ الْحَمْدَ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ، وَكَوْنُهَا سِرًّا مَنْدُوبٌ وَيُكْرَهُ جَهْرًا.

[قَوْلُهُ: وَلَا يُسَلِّمُ] أَيْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا.

[قَوْلُهُ: وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا] وَلَوْ إشَارَةً كُلُّ ذَلِكَ يَحْرُمُ [قَوْلُهُ: وَلَا يُحَصِّبُ مَنْ تَكَلَّمَ] أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ بِالْحَصْبَاءِ.

[قَوْلُهُ: لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ] أَيْ: وَلَا يَأْكُلُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ كُلُّ مَا يُنَافِي وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ وَلَوْ غَيْرَ السَّامِعِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَتَحْرِيكِ شَيْءٍ يَحْصُلُ مِنْهُ تَصْوِيتٌ كَوَرِقٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ فَتْحِ بَابٍ أَوْ سُبْحَةٍ أَوْ مُطَالَعَةٍ فِي كُرَّاسٍ.

[قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ التَّفَاسِيرِ إلَخْ] وَمِنْ أَحَدِ التَّفَاسِيرِ أَنَّ الْآيَةَ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا، أَيْ فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ قَرَأَ الْإِنْسَانُ الْقُرْآنَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ اسْتِمَاعُهُ وَالسُّكُوتُ تَعْظِيمًا لَهُ.

[قَوْلُهُ: لِصَاحِبِكَ] أَيْ الَّذِي تُخَاطِبُهُ إذْ ذَلِكَ أَوْ جَلِيسُك، سُمِّيَ صَاحِبًا؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُهُ فِي الْخِطَابِ أَوْ لِكَوْنِهِ الْأَغْلَبَ.

وَقَوْلُهُ: أَنْصِتْ أَيْ اُسْكُتْ مِنْ الْكَلَامِ مُطْلَقًا وَاسْتَمِعْ الْخُطْبَةَ، وَفِعْلُهُ أَنْصَتَ. [قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ] جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ تُفِيدُ أَنَّ وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ مِنْ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ لَا مِنْ خُرُوجِ الْإِمَامِ كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ.

[قَوْلُهُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ] ظَرْفٌ لَقُلْت، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ.

[قَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ جَائِزٌ] أَيْ وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ مِنْ حِينِ أَخْذِهِ فِي الْإِقَامَةِ إلَى أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ، وَيَحْرُمُ إذَا أَحْرَمَ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا التَّفْصِيلُ بِالْجُمُعَةِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ الْإِنْصَاتَ وَاجِبٌ فِي حَالِ التَّرَضِّي عَلَى الصَّحْبِ وَالتَّرَضِّي عَلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَيْنَ النُّزُولِ إلَخْ.

وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ جَائِزٌ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ] وَنُقِلَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ بِمَثَابَةِ رَكْعَتَيْنِ فَكَأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ. قَالَ بَهْرَامُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الْكَلَامُ] الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ فَيَصْدُقُ بِالْمَنْدُوبِ. [قَوْلُهُ: مِنْهَا الذِّكْرُ الْقَلِيلُ إلَخْ] بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ الذِّكْرُ سِرًّا عِنْدَ السَّبَبِ وَكَذَا غَيْرُهُ خِلَافًا لِلشَّارِحِ إذَا قَلَّ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَيَمْنَعُ الْكَثِيرَ أَوْ الْجَهْرَ بِالْيَسِيرِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْعِ الْكَرَاهَةُ كَمَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، بَقِيَ أَنَّ فِي بَعْضِ شُرَّاحِهِ أَنَّ هَذَا أَعْنِي الذِّكْرَ الْيَسِيرَ لَيْسَ مِمَّا اسْتَوَى طَرَفَاهُ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: الْأَوْلَى تَرْكُهُ وَمِثْلُهُ لَتَّتْ فِي كَبِيرِهِ عَلَى خَلِيلٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَرَّرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ كَشَيْخِنَا، وَبَقِيَ الْجَهْرُ بِالْكَثِيرِ وَالْحُكْمُ الْحُرْمَةُ.

[قَوْلُهُ: وَالتَّأْمِينُ عِنْدَ سَمَاعِ الْخَطِيبِ] يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ التَّأْمِينُ وَالتَّعَوُّذُ جَوَازًا مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ سِرًّا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُكْثِرَ أَوْ يُقِلَّ، وَمُفَادُ عَجَّ تَرْجِيحُ نَدْبِ التَّأْمِينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>