الْخَطِيبِ لِمَغْفِرَةٍ أَوْ نَجَاةٍ مِنْ النَّارِ، وَالتَّعَوُّذُ عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِ النَّارِ وَالشَّيْطَانِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَكَرِهِ، كُلُّ ذَلِكَ سِرًّا عَلَى الصَّحِيحِ، وَالشَّيْءُ الثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَسْتَقْبِلُهُ) أَيْ الْإِمَامَ (النَّاسُ) بِوُجُوهِهِمْ وَهُوَ فِي خُطْبَتِهِ وُجُوبًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَحَكَى الْبَاجِيُّ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَإِنْ اسْتَقْبَلُوهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَعْضِ آدَابِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: (وَالْغُسْلُ لَهَا) أَيْ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا لِلْيَوْمِ (وَاجِبٌ) وُجُوبُ السُّنَنِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ آخِرَ الْكِتَابِ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ يَعْنِي مُؤَكَّدَةً يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَالَ هُنَا: فَهَذِهِ تَفْسِيرٌ لِتِلْكَ وَتِلْكَ تَفْسِيرٌ لِهَذِهِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ أَنَّ سَبَبَهُ الْعَزْمُ عَلَى حُضُورِ الْجُمُعَةِ فَمَعْنَى لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لَا يُؤْمَرُ بِهِ إذَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى حُضُورِهَا.
وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَصُحِّحَ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ وَوَقْتُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالرَّوَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفُهِمَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّرَاخِيَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَعَهُ وَصِفَتُهُ كَصِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ (وَ) مِنْ الْآدَابِ (التَّهْجِيرُ) وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ (حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كَانُوا يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ فِي هَذَا الْوَقْتِ. ع: وَفِي كَلَامِهِ تَدَافُعٌ لِأَنَّهُ قَالَ: وَالتَّهْجِيرُ حَسَنٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الْهَاجِرَةِ. ثُمَّ قَالَ: (وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ) وَالْهَاجِرَةُ لَا تَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ.
وَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ التَّهْجِيرُ يُطْلَقُ
ــ
[حاشية العدوي]
وَالتَّعَوُّذِ عِنْدَ السَّبَبِ.
[قَوْلُهُ: الْمَغْفِرَةِ] أَيْ لِطَلَبِ مَغْفِرَةٍ أَوْ طَلَبِ نَجَاةٍ مِنْ النَّارِ [قَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ إلَخْ] هِيَ مَنْدُوبَةٌ عِنْدَ ذِكْرِهِ [قَوْلُهُ: كُلُّ ذَلِكَ سِرًّا] أَيْ نَدْبًا وَيُكْرَهُ جَهَرًا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجْهَرُ بِذَلِكَ جَهْرًا لَيْسَ بِالْعَالِي أَيْ وَإِلَّا حَرُمَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي خُطْبَتِهِ] أَيْ عِنْد نُطْقِهِ بِالْخُطْبَةِ لَا قَبْلَهُ وَلَوْ جَالِسًا عَلَى الْمِنْبَرِ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ] أَيْ مَنْ سَمِعَهُ وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، لَكِنْ أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ يُحَوِّلُونَ وُجُوهَهُمْ لِجِهَةِ ذَاتِهِ بِحَيْثُ يَنْظُرُونَهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَيَسْتَقْبِلُونَ جِهَتَهُ وَذَاتَهُ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ وَمَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ ضَعِيفٌ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَقْبَلُوهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ] هَذَا عَلَى كَلَامِ الْبَاجِيِّ.
[قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّ سَبَبَهُ حُضُورُ الصَّلَاةِ أَيْ حُضُورُ وُجُوبِهَا، فَيُؤْمَرُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوهَا، وَإِنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَجْزَأَهُ تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ اغْتَسَلْتُمْ لِهَذَا الْيَوْمَ» . فَجَعَلَ عِلَّةَ الْغُسْلِ الْيَوْمَ قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ [قَوْلُهُ: فَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ] لَمْ يَقُلْ فَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ بِحَيْثُ يَصِيرُ شَامِلًا لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ بِالْفِعْلِ فَهُوَ عَازِمٌ بِالْقُوَّةِ [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَعْزِمْ] وَأَمَّا إذَا عَزَمَ عَلَى حُضُورِهَا أُمِرَ بِهِ، أَيْ فَتُسَنُّ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ حَضَرَهَا وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ مِنْ مُسَافِرٍ وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ كَانَ ذَا رَائِحَةٍ كَالْقَصَّابِ أَيْ اللَّحَّامِ أَمْ لَا، وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ سُنِّيَّةَ الْغُسْلِ بِمَنْ لَا رَائِحَةَ لَهُ، وَإِلَّا وَجَبَ كَالْقَصَّابِ وَنَحْوِهِ وَاعْتَمَدَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: إلَى نِيَّةِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ: لِلنَّظَافَةِ فَلَا يُفْتَقَرُ لِنِيَّةٍ.
[قَوْلُهُ: فَلَا يُجَزِّئُ إلَخْ] لَا وَجْهَ لِلتَّفْرِيعِ وَالْقَبَلِيَّةُ ظَرْفٌ مُتَّسَعٌ [قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالرَّوَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ رَوَاحُهُ بِغُسْلِهِ وَالْأَفْضَلُ الِاتِّصَالُ قَالَهُ بَهْرَامُ.
[قَوْلُهُ: وَفُهِمَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّرَاخِيَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ] أَيْ كَمَا إذَا تَرَاخَى لِإِصْلَاحِ ثِيَابِهِ وَتَبْخِيرِهَا، فَإِنْ اُشْتُغِلَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بَعْدَهُ بِغِذَاءٍ أَوْ نَوْمٍ أَعَادَهُ حَيْثُ طَالَ بِهِمَا حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ اخْتِيَارِيًّا، فَإِنْ كَانَ النَّوْمُ غَلَبَهُ أَوْ الْأَكْلُ لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ إكْرَاهٍ فَلَا يُبْطِلُ، وَأَمَّا الْأَكْلُ أَوْ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُبْطِلُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ كَثُرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَدَثَ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ كَعَرَقٍ أَوْ صُنَانٍ أَوْ جَنَابَةٍ فَيُبْطِلَانِ ثَوَابَهُ، وَلَوْ حَصَلَا فِي الْمَسْجِدِ، وَقَضِيَّةُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْأَكْلَ فِي طَرِيقِهِ لَا يَضُرُّ وَلَوْ كَثُرَ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الْهَاجِرَةِ] هِيَ وَقْتُ اشْتِدَادِ الْحَرِّ كَمَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْهَاجِرَةُ نِصْفُ