للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُحْتَضَرِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ وَبَدَأَ بِالْغُسْلِ فَقَالَ: (وَلَيْسَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ) غَيْرِ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ عِنْدَ مَالِكٍ (حَدٌّ وَلَكِنْ) الْمَقْصُودُ عِنْدَهُ أَنَّهُ (يُنْقَى) اعْتَرَضَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ التَّحْدِيدِ بِقَوْلِهِ: (وَيُغَسَّلُ وِتْرًا) فَإِنَّهُ تَحْدِيدٌ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّحْدِيدَ هُوَ الَّذِي لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، وَالْوِتْرُ يَكُونُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، وَكَوْنُ الْغُسْلِ وِتْرًا مُسْتَحَبٌّ وَحُكْمُ الْغُسْلِ عَلَى مَا قَالَ الشَّيْخُ فِي بَابِ جُمَلِ السُّنِّيَّةُ وَشُهِرَ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ، وَصُحِّحَ وَهُوَ تَعَبُّدٌ لَا لِلنَّظَافَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَإِنَّمَا يَحْتَاج التَّعَبُّدُ إلَى نِيَّةٍ إذَا كَانَ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ (بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيُغْسَلُ. ك: مَعْنَاهُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُذَابَ السِّدْرُ الْمَسْحُوقُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يُعْرَكُ بَدَنُ الْمَيِّتِ وَيُدَلَّكُ بِهِ. ج: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ كَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ كَذَلِكَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ

ــ

[حاشية العدوي]

بِحِدَّتِهِ وَحَرَارَتِهِ فَيَشْتَمِلُ عَلَى لَذْعِ الْقَطِرَانِ وَحُرْقَتِهِ وَإِسْرَاعِ النَّارِ فِي الْجِلْدِ وَقَوْلُهُ: وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ أَيْ يَصِيرُ جِلْدُهَا أَجْرَبَ حَتَّى يَكُونَ جِلْدُهَا كَقَمِيصٍ عَلَى أَعْضَائِهَا وَالدِّرْعُ قَمِيصُ النِّسَاءِ اهـ.

[قَوْلُهُ: غَيْرَ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ] الْأَوْلَى، أَنْ يَقُولَ: الَّذِي يَطْلُبُ تَغْسِيلَهُ كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ احْتِرَازًا عَنْ شَهِيدِ الْمُعْتَرَكِ وَعَنْ الْكَافِرِ وَعَنْ السَّقَطِ وَعَمَّنْ وُجِدَ دُون جَلَّهُ، فَلَا يُغَسَّلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَلْ يَحْرُمُ تَغْسِيلُ الْكَافِرِ وَشَهِيدِ الْحَرْبِ وَيُكْرَهُ تَغْسِيلُ السِّقْطِ وَمَنْ وُجِدَ دُونَ جُلِّهِ، فَمَنْ وُجِدَ نِصْفُهُ وَرَأْسُهُ بَلْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ وَدُونَ ثُلُثَيْهِ وَلَوْ مَعَ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَيَكْفِي فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ الْإِسْلَامُ الْحُكْمِيُّ فَيَدْخُلُ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ أَوْ أَبِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْغُسْلِ شُرُوطًا اسْتِقْرَارُ الْحَيَاةِ، وَعَدَمُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَرْبِ، وَوُجُودُ كُلِّ الْمَيِّتِ أَوْ جُلِّهِ، وَإِسْلَامُهُ وَلَوْ حُكْمًا.

[قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ] أَيْ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ، وَمُقَابِلُهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَهُ ثَلَاثٌ.

[قَوْلُهُ: أُجِيبَ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُثْبَتَ غَيْرُ الْمَنْفِيِّ، فَالْمَنْفِيُّ الْحَدُّ الْوَاجِبُ الْمُقَيَّدُ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، وَالْمُثْبَتُ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ؛ لِأَنَّ الْوِتْرَ يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ وَالْخَمْسَةَ. [قَوْلُهُ: يَكُونُ ثَلَاثًا] فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَوْ سَبْعًا فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْقَاءُ بِالسَّابِعَةِ فَلَا إيتَارَ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ الْإِنْقَاءَ.

[قَوْلُهُ: وَكَوْنُ الْغُسْلِ وِتْرًا مُسْتَحَبٌّ] أَيْ مَا عَدَا الْوَاحِدَ فَلَا نَدْبَ فِيهِ فَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ وَاجِبٌ] أَيْ كِفَائِيٌّ وَصُحِّحَ وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: لِلنَّظَافَةِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مُسْلِمٌ وَلَا امْرَأَةٌ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَمَعَهُ ذِمِّيٌّ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ لَا يُغَسِّلُهُ الذِّمِّيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلنَّظَافَةِ يُغَسِّلُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِفَةَ ذَلِكَ الْغُسْلِ كَالْغُسْلِ فِي الْجَنَابَةِ، الْإِجْزَاءُ كَالْإِجْزَاءِ وَالْكَمَالُ كَالْكَمَالِ إلَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ غُسْلُ الْمَيِّتِ مِنْ التَّكْرَارِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْمَاءُ وَجَبَ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: بِمَاءٍ وَسِدْرٍ] أَيْ وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَهُوَ وَرَقُ النَّبْقُ، وَأَطْلَقَ فِي الْمَاءِ فَيَدْخُلُ مَاءُ زَمْزَمَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ فِي أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ بِهِ مَيِّتٌ، وَطَلَبُ السِّدْرِ تَفَاؤُلًا بِسِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. [قَوْلُهُ: بِالْمَاءِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُذَابُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُطْحَنُ وَيُذَابُ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يُعْرَكُ بِهِ بَدَنُ الْمَيِّتِ أَيْ يُدَلَّكُ بِهِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَيُدَلَّكُ بِهِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ يُعْرَكُ بِهِ بَعْدَ خَضْخَضَتِهِ حَتَّى تَبْدُوَ لَهُ رَغْوَةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ مَسْحُوقًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إذَابَةٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ أَنْ يُخْلَطَ السِّدْرُ الْمَسْحُوقُ بِالْمَاءِ. [قَوْلُهُ: فِي كُلِّ غَسْلَةٍ] أَيْ مَا عَدَا الْأَخِيرَةَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضٌ أَيْ وَلَا بُدَّ عَلَى كَلَامِ هَذَا الشَّارِحِ مِنْ صَبِّ مَاءِ الْقَرَاحِ بَعْدَ دَلْكِهِ، وَهَذَا إذَا خَلَطَ السِّدْرَ بِالْمَاءِ كَمَا هُوَ نَصُّ كَلَامِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَخْلِطْهُ بِهِ بِأَنْ وَضَعَهُ عَلَى جَسَدِهِ وَعَرَّكَ بِهِ ثُمَّ صَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَاءُ. ثَانِيًا لِأَنَّ صَبَّ الْمَاءِ عَلَى الْجَسَدِ بَعْدَ وَضْعِ السِّدْرِ عَلَيْهِ، وَحُكْمُهُ لَا يُضِيفُهُ وَإِنَّمَا يُضِيفُهُ خَلْطُهُ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ إذَا وَرَدَ عَلَى الْعُضْوِ طَهُورًا لَا يَضُرُّ إضَافَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ إلَى أَنَّهُ يُغَسَّلُ أَوَّلًا بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ لِلتَّطْهِيرِ ثُمَّ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ لِلتَّنْظِيفِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>