للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيُجْعَلُ فِي) الْغَسْلَةِ (الْأَخِيرَةِ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (كَافُورٌ) لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَامَ غَيْرُهُ مِنْ الطِّيبِ مَقَامَهُ، وَيَقُومُ مَقَامَ السِّدْرِ عِنْدَ عَدَمِهِ الْأُشْنَانُ وَنَحْوُهُ.

(وَإِذَا جُرِّدَ) الْمَيِّتُ لِلْغُسْلِ (تُسْتَرُ عَوْرَتُهُ) وَهِيَ السَّوْأَتَانِ خَاصَّةً عَلَى مَا فَهِمَ اللَّخْمِيُّ الْمُدَوَّنَةَ وُجُوبًا وَلَوْ كَانَ الْغَاسِلُ زَوْجًا أَوْ سَيِّدًا لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «لَا تُبِنْ فَخِذَك وَلَا تَنْظُرُ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» . (وَلَا تُقَلَّمُ أَظْفَارُهُ وَلَا يُحْلَقُ شَعْرُهُ) فَإِنْ فُعِلَ بِهِ هَذَا كُرِهَ وَضُمَّ مَعَهُ فِي

ــ

[حاشية العدوي]

وَلِذَا لَا يَضُرّ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَاءِ مُضَافًا؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ حَصَلَ بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ وَجُعِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ لَا فِي ابْتِدَائِهِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِهِ إنْ قُلْنَا إنَّ الْغُسْلَ لِلْعِبَادَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ يُبْدَأُ بِهِ ثُمَّ يُضَافُ السِّدْرُ إلَى الْمَاءِ فِيمَا بَعْدُ، وَنَسَبَ عَجَّ تِلْكَ الطَّرِيقَةَ لِلْجُمْهُورِ فَقَالَ: الْغَسْلَةُ الْأُولَى عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ لِلتَّطْهِيرِ، وَالثَّانِيَةُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ لِلتَّنْظِيفِ، وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ لِلتَّطَيُّبِ. [قَوْلُهُ: قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ إلَخْ] مَعْنَاهُ أَنْ يَخْلِطَ الْكَافُورَ بِالْمَاءِ وَيَغْسِلَ بِهِ بَدَنَ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ غَسْلَةِ السِّدْرِ عَلَى مَا ذَهَبَ لِلتَّطْيِيبِ. [قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ إلَخْ] مَعْنَاهُ أَنْ يُخْلَطَ الْكَافُورُ بِالْمَاءِ وَيَغْسِلُ بِهِ بَدَنَ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ غَسْلَةِ السِّدْرِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فَإِنَّهَا صَبُّ الْمَاءِ بَعْدَ عَرَكَ الْمَيِّتِ بِهِ مَخْلُوطًا بِمَاءٍ قَلِيلٍ، أَيْ أَوْ بِلَا مَاءٍ أَصْلًا عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُضِيفُ الْمَاءَ.

[قَوْلُهُ: لَأَمْرِهِ إلَخْ] وَلِأَنَّهُ يَشُدُّ جَسَدَ الْمَيِّتِ وَيَحْفَظُهُ عَنْ مُسَارَعَةِ الْفِنَاءِ، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي لَا تَبْلَى أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ قَالَهُ عَجَّ. [قَوْلُهُ: الْأُشْنَانُ] بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَالْكَسْرُ لُغَةٌ مُعَرَّبٌ، وَيُقَالُ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: الْحَرَضُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْغَاسُولُ. وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ كَالنَّطْرُونَ كَمَا مَثَّلَ بِهِ الْفَاكِهَانِيُّ.

[قَوْلُهُ: عَلَى مَا فَهِمَ اللَّخْمِيُّ الْمُدَوَّنَةَ] أَيْ أَنَّ اللَّخْمِيَّ فَهِمَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْرَةِ السَّوْأَتَانِ خَاصَّةً، وَضَعَّفَ ذَلِكَ الْفَهْمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ قَائِلًا، لَيْسَ فِي الْكِتَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ لَوْ قِيلَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْ الَّذِي هُوَ السَّتْرُ مِنْ السُّرَّةِ لِلرُّكْبَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّهُ قَالَ بِأَثَرِهِ: وَيُفْضِي بِيَدَيْهِ إلَى فَرْجِهِ إنْ احْتَاجَ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَوْرَةُ نَفْسَ الْفَرْجِ لَمَا ذَكَرَ الْفَرْجَ بِلَفْظٍ آخَرَ اهـ. وَلِأَجْلِ ذَلِكَ مَرَّ الْعَلَامَةُ خَلِيلٌ عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ أَشْهَبَ سَتْرَ وَجْهِهِ وَصَدْرِهِ أَيْ خَشْيَةَ تَغَيُّرِهِمَا فَيُسَاءُ بِهِ الظَّنُّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ قَدْ عَرَفْتهَا وَعَرَفْت الرَّاجِحَ مِنْهَا. [قَوْلُهُ: وُجُوبًا] أَيْ سَتْرٌ وُجُوبًا.

وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْغَاسِلُ زَوْجًا إلَخْ. ذَهَبَ ابْنُ نَاجِي إلَى أَنَّ سَتْرَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ مُسْتَحَبٌّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مُعِينٌ فَيَجِبُ اتِّفَاقًا، أَيْ وَمِثْلُ الزَّوْجِ السَّيِّدُ وَكَلَامُ الشَّيْخِ يُفِيدُ تَرْجِيحَ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي. [قَوْلُهُ: لَا تُبِنْ] بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، أَيْ لَا تُظْهِرُهُ لِغَيْرِك. وَقَوْلُهُ: وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ فَإِنَّهُ عَامٌّ حَتَّى فِي الزَّوْجَيْنِ هَذَا مُرَادُهُ.

وَأَقُولُ فِي ذَلِكَ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ فَخِذُ حَيٍّ مَخْصُوصٌ قَطْعًا بِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، فَلَا مَانِعَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى سُنَنِهِ قَوْلُهُ وَلَا مَيِّتٍ بِأَنْ تَقُولَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا يُفِيدُ سَتْرَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لَا خُصُوصَ السَّوْأَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ.

تَنْبِيهٌ:

مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا تُبِنْ بِتَاءٍ وَبَاءٍ وَنُونٍ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا تَبْرُزُ بِرَاءٍ وَزَايٍ مُعْجَمَةٍ، وَنَسَبَهُ لِابْنِ مَاجَهْ فَرَاجَعْت ابْنَ مَاجَهْ فَوَجَدْته كَمَا قَالَ أَيْ بِرَاءٍ وَزَايٍ، وَاَلَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فُعِلَ بِهِ هَذَا كُرِهَ] وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْمَرِيضِ فِعْلُ ذَلِكَ إذَا قَصَدَ بِهِ الْمَوْتَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لَا إنْ قَصْدَ بِهِ الْإِرَاحَةَ بِإِزَالَةِ نَحْوِ الظُّفْرِ وَالشَّعْرِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ تُنْكَأَ قُرُوحُهُ، وَإِنَّمَا يُزَالُ مَا سَالَ عَنْهَا بِخِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ السَّائِلُ دُونَ دِرْهَمٍ قَصْدًا لِلنَّظَافَةِ. [قَوْلُهُ: وَضَمَّ مَعَهُ] أَيْ وُجُوبًا. وَقِيلَ نَدْبًا، وَعِبَارَةُ تت هُنَا أَفْيَدُ وَنَصُّهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>