أَيْ نَطْلُبُ مِنْهُ الْإِعَانَةَ عَلَى مَا أَمَّلْنَاهُ، وَالْإِعَانَةُ التَّقَوِّي عَلَى مَا فِعْلِ الْخَيْرَاتِ أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَى فِعْلِهَا (وَلَا حَوْلَ) عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ (وَلَا قُوَّةَ) عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ (إلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ الْعَلِيِّ) بِالْمَنْزِلَةِ الْمُنَزَّهِ عَنْ الضِّدِّ وَالنِّدِّ وَالشَّبِيهِ (الْعَظِيمِ) الْقَدْرِ الَّذِي يَصْغُرُ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَ ذِكْرِهِ (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا) وَهَذَا أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ فَنَقُولُ وَبِهِ وَنَسْتَعِينُ.
ــ
[حاشية العدوي]
بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَمَرْتَبَةُ الْمُصَنِّفِ تُنَافِي ذَلِكَ، قُلْت: لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَرَّرَ الِاسْتِخَارَةَ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا أَمَّلْنَاهُ] أَيْ مِنْ ذِكْرِ جُمْلَةٍ مُخْتَصَرَةٍ إلَخْ.
[قَوْلُهُ: وَالْإِعَانَةُ] أَيْ الْمُعْتَدُّ بِهَا [قَوْلُهُ: التَّقَوِّي عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ] لَا يَخْفَى أَنَّ التَّقَوِّي مِنْ صِفَاتِ الْعَبْدِ وَالْإِعَانَةُ وَصْفٌ لَهُ تَعَالَى فَلَا يَصِحُّ التَّفْسِيرُ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الْإِقْدَارُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَأَلْ فِي الْخَيْرَاتِ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ وَلَوْ بِوَاحِدٍ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَى فِعْلِهَا] أَيْ كَأَنْ يُعِينُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَحْصِيلِ شَيْءٍ مِنْ دَرَاهِمَ يُعْقِبُهُ صَرْفُهُ عَلَى الْمَحَاوِيجِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالتَّحْصِيلِ تِلْكَ الْحَالَةَ أَعْنِي الصَّرْفَ وَآلَ الْأَمْرُ إلَى الصَّرْفِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ قَصَدَ تِلْكَ الْحَالَةَ فَنَفْسُ التَّحْصِيلِ خَيْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْخَيْرِ إلَّا مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الثَّوَابُ وَهُوَ يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّحْصِيلِ بِتِلْكَ النِّيَّةِ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَى فِعْلِهَا، وَيُخَصُّ الْأَوَّلُ بِمَا كَانَ صُورَتُهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَتَحْصِيلُ الدَّرَاهِمِ إنَّمَا كَانَ فِعْلَ خَيْرٍ بِالنِّيَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ صُورَتِهِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ] أَيْ بِحِفْظِهِ [قَوْلُهُ: بِعَوْنِ] اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْإِعَانَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ تَفْسِيرِ مَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ شَرْحِهِ عَلَى الْعَقِيدَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْصِدْ إلَّا الْمَعْنَى فَقَطْ لَا الْإِعْرَابَ بِحَيْثُ تَقُولُ: إنَّ إلَّا بِاَللَّهِ مَحْذُوفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي لِصِحَّةِ تَعَلُّقِ إلَّا بِاَللَّهِ بِالطَّرَفَيْنِ مَعًا، وَالتَّقْدِيرُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ ثَابِتَانِ إلَّا بِاَللَّهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: الْعَلِيُّ بِالْمَنْزِلَةِ] أَيْ عُلُوًّا مُلْتَبِسًا بِالْمَنْزِلَةِ مِنْ الْتِبَاسِ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ أَيْ مَرْتَبَةٌ عَالِيَةٌ عُلُوًّا مَعْنَوِيًّا.
[قَوْلُهُ: الْمُنَزَّهُ إلَخْ] كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ الْمُعَلَّى بِالْمَنْزِلَةِ. [قَوْلُهُ: عَنْ الضِّدِّ] هُوَ الْمُضَادُّ لِلْمَوْلَى بِحَيْثُ إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا يَنْتَفِي الْآخَرُ، وَالضِّدُّ فِي الِاصْطِلَاحِ مَعْنًى لَا ذَاتٌ فَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهَا مَجَازٌ. [قَوْلُهُ: وَالنِّدُّ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالنِّدُّ بِالْكَسْرِ الْمِثْلُ وَالنَّدِيدُ مِثْلُهُ وَالْجَمْعُ أَنْدَادٌ مِثْلُ حَمْلٍ وَأَحْمَالٍ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَالشَّبِيهُ] الْمُشَابِهُ فَالْمُشَابَهَةُ الْمُشَارَكَةُ فِي مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي اهـ. مِنْ الْمِصْبَاحِ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمِثْلَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى النِّدِّ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَارَكَ فِي مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَإِنْ كَانَ مُشَارِكًا فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ، فَيَكُونُ الشَّبِيهُ أَعَمُّ مِنْ النِّدِّ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمِثْلَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الشَّبِيهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَالشَّبِيهُ مِنْ عَطْفِ الْمُرَادِفِ. [قَوْلُهُ: الْعَظِيمِ الْقَدْرِ] دَفَعَ بِقَوْلِهِ الْقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَظِيمُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ تَكُونُ ذَاتُهُ كَالْجَبَلِ مَثَلًا، فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَظِيمُ مِنْ حَيْثُ قَدْرُهُ، فَإِنْ قُلْت لَمْ يَأْتِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ كَأَنْ يَقُولُ: الْعَلِيُّ الْمَنْزِلَةِ الْعَظِيمُ الْقَدْرِ، أَوْ يَقُولُ: الْعَلِيُّ بِالْمَنْزِلَةِ الْعَظِيمُ بِالْقَدْرِ، أَيْ عَظِيمًا مُلْتَبِسًا بِالْقَدْرِ كَمَا تَقَدَّمَ؟ . قُلْت: تَفَنَّنَ فِي التَّعْبِيرِ، أَقُولُ: وَالْقَدْرُ وَالْمَنْزِلَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ كَمَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ. [قَوْلُهُ: الَّذِي يَصْغُرُ إلَخْ] أَيْ حَقُّهُ أَنْ يَصْغُرَ إذْ كَثِيرًا مَا لَا يُشَاهَدُ عَلَيْهِ الصِّغَرُ عِنْدَ ذِكْرِهِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَآلِهِ وَصَحْبِهِ] أَرَادَ بِالْآلِ الْأَتْبَاعَ أَيْ أُمَّةَ الْإِجَابَةِ، وَعَطْفُ الصَّحْبِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَنُكْتَتُهُ ظَاهِرَةٌ [قَوْلُهُ: تَسْلِيمًا كَثِيرًا] أَتَى بِهِ فِي جَانِبِ السَّلَامِ دُونَ الصَّلَاةِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَصْدَرَ صَلَّى التَّصْلِيَةُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا الْإِحْرَاقُ فَلَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا انْحَطَّتْ رُتْبَتُهُ عَنْ الصَّلَاةِ احْتَاجَ لِلتَّأْكِيدِ، وَقَوْلُهُ كَثِيرًا إشَارَةٌ إلَى عِظَمِهِ كَمِيَّةً وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى عِظَمِهِ كَيْفِيَّةً كَأَنْ يَقُولَ: عَظِيمًا، وَلَعَلَّهُ لَاحَظَ أَنَّ التَّنْكِيرَ لِلتَّعْظِيمِ وَيَكْفِي هَذَا الْقَدْرُ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوَانُ] الْمُشَارُ لَهُ الزَّمَنُ الْحَاضِرُ وَقَوْلُهُ أَوَانُ أَيْ زَمَنُ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ. [قَوْلُهُ: وَبِهِ نَسْتَعِينُ] جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْعَامِلِ وَمَعْمُولِهِ أَوْ حَالِيَّةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute