للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمَطِّطُ وَلَا يَجْهَرُ كُلَّ الْجَهْرِ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ) يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُسَلِّمُ إمَامُ الْجِنَازَةِ وَاحِدَةً يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه، وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ وَاحِدَةً يُسْمِعُ نَفْسَهُ فَقَطْ، وَإِنْ أَسْمَعَ مَنْ يَلِيه فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ.

(وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ) الْمُسْلِمِ (قِيرَاطٌ مِنْ الْأَجْرِ وَقِيرَاطٌ فِي حُضُورِ دَفْنِهِ وَذَلِكَ) الْقِيرَاطُ (فِي التَّمْثِيلِ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ثَوَابًا) الْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا الْجَبَلُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ ثَوَابُهُ مِثْلَ ثَوَابِ هَذَا الْقِيرَاطِ، أَرَادَ بِذَلِكَ بَيَانَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ: «مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ» . ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ قِيرَاطَ الصَّلَاةِ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِتَمَامِ الصَّلَاةِ، وَقِيرَاطُ الدَّفْنِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَمَامِ الدَّفْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحْصُلُ بِوَضْعِهِ فِي قَبْرِهِ، وَانْظُرْ إذَا تَعَدَّدَتْ الْمَوْتَى فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهَا هَلْ يَتَعَدَّدُ الْقِيرَاطُ بِتَعَدُّدِهِمْ أَمْ لَا؟ الْجُزُولِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا.

وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: يَتَعَدَّدُ الْجُزُولِيُّ لَا أَدْرِي مِنْ

ــ

[حاشية العدوي]

بِالثَّانِيَةِ عَلَى الْإِمَامِ، وَفِي الْوَاضِحَةِ لَا يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ إلَّا مَنْ سَمِعَهُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.

[قَوْلُهُ: فَلَا يَمْطُطْ] مُحْتَرَزُ خَفِيفَةٍ، وَقَوْلُهُ: لَا يَجْهَرُ كُلَّ الْجَهْرِ مُحْتَرَزُ خَفِيَّةٍ أَيْ فَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا خَفِيَّةً أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ كُلَّ الْجَهْرِ.

وَقَوْلُهُ: وَظَاهِرُ إلَخْ وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ حَكَمَتْ بِأَنَّ الْإِمَامَ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه، وَالْمَتْنُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: خَفِيَّةٌ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ خَفِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ كُلَّ الْجَهْرِ، فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَجْهَرُ وَهُوَ يُصَدَّقُ بِسَمَاعِ نَفْسِهِ وَمَنْ يَلِيه فَلَا يَكُونُ مُخَالَفَةً، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِجَوَابٍ آخَرَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ رَاجِعٌ لِوَاحِدَةٍ لَا لِقَوْلِهِ خَفِيَّةً، وَقَوْلُهُ: خَفِيفَةٌ عَائِدٌ عَلَى الْمَأْمُومِ فَقَطْ وَلَكِنْ لَا قَرِينَةَ فِي اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ أَسْمَعَ مَنْ يَلِيه فَلَا بَأْسَ] بِمَعْنَى خِلَافِ الْأُولَى فِيمَا يَظْهَرُ [قَوْلُهُ: وَمَشَى إلَخْ] أَيْ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه.

[قَوْلُهُ: الْمَعْنَى إلَخْ] وَقِيلَ مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ لَوْ جُعِلَ هَذَا الْجَبَلُ فِي كِفَّةٍ وَجُعِلَ الْقِيرَاطُ فِي كِفَّةٍ مُقَابِلَةٍ لَهَا لَسَاوَاهَا، وَأُحُدٌ جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ قَالَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ هَذَا الْجَبَلَ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» .

وَخَصَّهُ بِالتَّمْثِيلِ إمَّا لِذَلِكَ وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْجِبَالِ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَتَتَّصِلُ بِهِ الْجِبَالُ.

[قَوْلُهُ: مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ] أَيْ أَوْ فِضَّةٍ [قَوْلُهُ: «مَنْ اتَّبَعَ» ] قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: بِتَشْدِيدِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ «تَبِعَ» بِغَيْرِ أَلِفٍ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ.

وَقَوْلُهُ: «إيمَانًا وَاحْتِسَابًا» أَيْ مُؤْمِنًا أَيْ مُصَدِّقًا بِالْأَجْرِ مُحْتَسِبًا أَيْ لَا مُكَافَأَةً وَلَا مَخَافَةً.

وَقَوْلُهُ: حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا بِفَتْحِ اللَّامِ فِي الْيُونِينِيَّةِ وَفِي هَامِشِهَا بِكَسْرِهَا، وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ فِي الْفِعْلَيْنِ أَوْ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْجَارُ وَالْمَجْرُورُ فِيهِمَا نَائِبٌ عَنْ الْفَاعِلِ.

[قَوْلُهُ: بِقِيرَاطَيْنِ] مُثَنَّى قِيرَاطٍ وَهُوَ اسْمٌ لِمِقْدَارٍ مِنْ الثَّوَابِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ «كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ» بِضَمَّتَيْنِ، سُمِّيَ بِهِ لِتَوَحُّدِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ جِبَالٍ أُخْرَى هُنَاكَ اهـ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ حُصُولُ ثَوَابِ قِيرَاطِ الصَّلَاةِ وَقِيرَاطِ الدَّفْنِ وَلَوْ لَمْ يَتَّبِعْهَا فِي الطَّرِيقِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الثَّانِي لِقَوْلِهَا: وَجَائِزٌ أَنْ يَسْبِقَ وَيَنْتَظِرَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي التَّوَقُّفَ عَلَى الِاتِّبَاعِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَثَوَابُ مَنْ اتَّبَعَهَا وَلَازَمَهَا أَعْظَمُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ثَوَابَ كُلٍّ مِنْ الدَّفْنِ أَوْ الصَّلَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْآخَرِ.

[قَوْلُهُ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا] لَعَلَّ هَذَا فِي بَعْضِ تَقَايِيدِهِ وَإِلَّا وَقَعَ لَهُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ قَالَ: هَلْ يَحْصُلُ بِهِ لِلْمُصَلِّي مِنْ الْقَرَارِيطِ بِعَدَدِهِمْ؟ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو عِمْرَانَ: يَحْصُلُ لَهُ بِكُلِّ مَيِّتٍ قِيرَاطٌ وَاحِدٌ اهـ.

أَعْنِي لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ انْتَفَعَ بِدُعَائِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُ هَذَا فِيمَا إذَا حَضَرَ دَفْنَ جَمَاعَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي عج.

تَتِمَّةٌ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رَهْبَةً أَوْ مُكَافَأَةً أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْأَجْرُ الْمَذْكُورُ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>