أَيْنَ أَخَذَهُ مِنْ الرِّسَالَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا.
(وَيُقَالُ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ غَيْرُ شَيْءٍ مَحْدُودٍ) أَيْ مُعَيَّنٌ مُؤَقَّتٌ؛ لِأَنَّ الْأَدْعِيَةَ الْمَرْوِيَّةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ، وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ دُعَاءٌ مُعَيَّنٌ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ مَالِكًا فِي الْمُوَطَّأِ اسْتَحَبَّ دُعَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَهُوَ: اللَّهُمَّ إنَّهُمْ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ: (وَذَلِكَ) أَيْ مَا وَرَدَ مِنْ الدُّعَاءِ (كُلُّهُ وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ فَقُلْ مَا شِئْت مِنْهُ (وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ) أَيْ الدُّعَاءِ (أَنْ يُكَبِّرَ ثُمَّ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ وَأَحْيَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى لَهُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ (وَالْمُلْكُ) عِبَارَةٌ عَنْ الْخَلْقِ وَالتَّصَرُّفِ وَالْهِدَايَةِ وَالْإِضْلَالِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ (وَالْقُدْرَةُ) قِيلَ هِيَ بِمَعْنَى الْمُلْكِ (وَالسَّنَاءُ) بِالْمَدِّ الْعُلُوُّ وَالرِّفْعَةُ فِي الْمَنْزِلَةِ لَا فِي الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الضِّيَاءِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) هَذَا عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ.
وَنُبِّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ قُدْرَتَهُ لَيْسَتْ فِيمَا ظَهَرَ خَاصَّةً بَلْ فِيمَا ظَهَرَ وَبَطَنَ وَمَا وُجِدَ وَمَا لَمْ يُوجَدْ (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
حَيْثُ قَالَ: حُضُورُ الْجِنَازَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ رَغْبَةٌ وَرَهْبَةٌ وَمُكَافَأَةٌ الْأَجْرُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ، وَلِلْبَرْزَلِيِّ فِي الْمُكَافَأَةِ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي نَقْصِ الْأَجْرِ مِنْ الْقِيرَاطِ كَوْنُ الْإِنْسَانِ إنَّمَا يَتَّبِعُ الْجِنَازَةَ لِأَجْلِ أَقَارِبِهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَفِيهِ صِلَةُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، فَيَكُونُ أَعْظَمَ أَجْرًا بَلْ فِيهِ أَجْرَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يُنَافِي إيمَانًا وَاحْتِسَابًا الْوَاقِعُ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ صِلَةَ الْحَيِّ تَكُونُ احْتِسَابًا أَوْ مُدَارَاةً لَا لِأَجْلِ دُنْيَاهُ وَكِلَاهُمَا مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ مُعَيَّنٍ] أَيْ بِحَيْثُ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى غَيْرِهِ.
وَقَوْلُهُ: مُؤَقَّتٍ أَيْ بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ لَكِنَّ الْمُتَوَهَّمَ إنَّمَا هُوَ الْأَوَّلُ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: لَا يُسْتَحَبُّ إلَخْ] أُجِيبَ عَنْ التَّخَالُفِ الْحَاصِلِ بَيْنَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ إلَخْ.
وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ بَشِيرٍ بِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ وَالْمُسْتَحْسَنَ مَا أُخِذَ مِنْ الْقَوَاعِدِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ لَكِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
[قَوْلُهُ: أَيْ جَائِزٌ] أَيْ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَدْعِيَةِ أَحْسَنَ مِنْ بَعْضٍ، فَلَا يُخَالِفَ قَوْلَهُ بَعْدُ: وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ.
[قَوْلَهُ: مُسْتَحْسَنِ مَا قِيلَ] يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إضَافَةُ مُسْتَحْسَنٍ إلَى مَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةً فَيُفِيدُ أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا لَيْسَ مُسْتَحْسَنًا.
[قَوْلُهُ: أَنْ يُكَبِّرَ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ خَاصٌّ بِمَا يَقُولُهُ فِي الدُّعَاءِ لَا بِالتَّكْبِيرِ إذْ التَّكْبِيرُ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ.
[قَوْلُهُ: ثُمَّ يَقُولَ] الْأَوْلَى الْفَاءُ بَدَلَ ثُمَّ.
[قَوْلُهُ: أَمَاتَ وَأَحْيَا] أَمَاتَ مَنْ أَرَادَ إمَاتَتَهُ وَأَحْيَا مَنْ أَرَادَ بَقَاءَهُ.
[قَوْلُهُ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى] فِي الْآخِرَةِ [قَوْلُهُ: وَالتَّصَرُّفِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْخَلْقَ وَالْإِضْلَالَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا ذَكَرَ مِنْ أَفْرَادِ التَّصَرُّفِ فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يُوَسِّطَهُ بَيْنَهُمَا.
[قَوْلُهُ: وَالْهِدَايَةِ] أَيْ خَلَقَ الِاهْتِدَاءَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالْإِضْلَالِ.
[قَوْلُهُ: وَالثَّوَابِ] أَيْ الْإِثَابَةُ لِأَجْلِ مُنَاسَبَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: وَالْعِقَابِ أَيْ الْمُعَاقَبَةِ.
[قَوْلُهُ: هِيَ بِمَعْنَى الْمُلْكِ] غَيْرُ ظَاهِرٍ فَالْأَوْلَى إبْقَاؤُهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا الَّتِي هِيَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِكُلِّ مُمْكِنٍ إيجَادًا وَإِعْدَامًا.
[قَوْلُهُ: وَالرِّفْعَةُ] عَطْفُ مُرَادِفٍ [قَوْلُهُ: فِي الْمَنْزِلَةِ] أَيْ الرُّتْبَةِ وَعَطْفُ الْمَكَانِ عَلَى الْجِهَةِ مُغَايِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ الْفَرَاغُ الَّذِي يَحُلُّ فِيهِ الشَّخْصُ وَالْجِهَةَ الْفَرَاغُ الَّذِي حَوْلَهُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ.
[قَوْلُهُ: هَذَا عَامٌّ إلَخْ] لَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِشَيْءٍ مَشِيءٌ بِمَعْنَى مُرَادٍ.
[قَوْلُهُ: فِيمَا ظَهَرَ] أَيْ لَنَا: وَقَوْلُهُ: وَبَطَنَ أَيْ خَفِيَ عَنَّا كَاَلَّذِي فَوْقَ السَّمَاءِ.
[قَوْلُهُ: وَمَا لَمْ يُوجَدْ] الْآنَ وَيُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى.