بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ فَقَطْ مَعَ غَيْمٍ أَوْ صَحْوٍ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَ) كَمَا يُصَامُ لِرُؤْيَتِهِ (يُفْطَرُ لِرُؤْيَتِهِ) أَيْ لِرُؤْيَةِ شَوَّالٍ سَوَاءٌ (كَانَ) الشَّهْرُ الَّذِي قَبْلَ الشَّهْرِ الَّذِي تَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ (ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَإِنْ غُمَّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ (الْهِلَالُ) يَعْنِي هِلَالَ رَمَضَانَ بِأَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ غَيْمٌ (فَيُعَدُّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ غُرَّةِ) يَعْنِي مِنْ أَوَّلِ (الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ) وَهُوَ شَعْبَانُ (ثُمَّ يُصَامُ وَكَذَلِكَ فِي الْفِطْرِ) يُفْعَلُ فِيهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ يُعَدُّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ رَمَضَانُ ثُمَّ يُفْطَرُ، وَأَصْلُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» .
وَشُرُوطُ الصَّوْمِ سَبْعَةٌ أَوَّلُهَا النِّيَّةُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَيُبَيِّتُ الصِّيَامَ فِي أَوَّلِهِ) أَيْ يَنْوِي بِقَلْبِهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَ طُلُوعِهِ الْقُرْبَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ مَنْ اسْتَغْرَقَ طَرْفَيْ النَّهَارِ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ (وَ) بَعْدَ أَنْ يُبَيِّتَ الصِّيَامَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ فَ (لَيْسَ عَلَيْهِ) وُجُوبًا (الْبَيَاتُ فِي بَقِيَّتِهِ) أَيْ بَقِيَّةِ شَهْرِ رَمَضَانَ.
وَعَنْ مَالِكٍ يَجِبُ التَّبْيِيتُ كُلَّ لَيْلَةٍ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامَانِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ الشَّهْرِ عِبَادَاتٌ يَنْفَرِدُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَلَا يَفْسُدُ بَعْضُهَا بِفَسَادِ بَعْضٍ، وَيَتَخَلَّلُهَا مَا يُنَافِيهَا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ لَيْلًا فَصَارَتْ الْأَيَّامُ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْيَوْمِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْفَرِدَ صَوْمُ كُلِّ يَوْمٍ بِنِيَّةٍ كَمَا تَنْفَرِدُ كُلُّ صَلَاةٍ بِنِيَّةٍ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] فَتَنَاوَلَ
ــ
[حاشية العدوي]
مُسْتَفِيضَةً] بِأَنْ وَقَعَتْ مِنْ جَمَاعَةٍ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ يُفِيدُ الْعِلْمَ.
[قَوْلُهُ: مَعَ غَيْمٍ أَوْ صَحْوٍ] أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَلَدِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَمِثْلُ الْعَدْلَيْنِ الْعَدْلُ الْوَاحِدُ الْمَوْثُوقُ بِخَبَرِهِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْمَحَلُّ لَا يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ فِي حَقِّ أَهْلِ الرَّائِي وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ فَلَا يَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ الْوَاحِدِ وَلَوْ فِي حَقِّ أَهْلِهِ وَلَوْ صَدَّقُوهُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فَإِنْ أَفْطَرَ كَفَّرَ وَلَوْ مُتَأَوِّلًا؛ لِأَنَّ تَأْوِيلَهُ بَعِيدٌ.
وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رُؤْيَةً أَنَّهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ إنَّهُ مَوْجُودٌ وَلَا يُرَى؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا عَوَّلَ عَلَى الرُّؤْيَةِ لَا عَلَى الْوُجُودِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ.
[قَوْلُهُ: يُفْطَرُ لِرُؤْيَتِهِ] كَانَتْ الرُّؤْيَةُ مُسْتَفِيضَةً أَوْ بِشَاهِدَيْنِ فَقَطْ مَعَ غَيْمٍ أَوْ صَحْوٍ وَهُوَ كَذَلِكَ لَا بِرُؤْيَةِ مُنْفَرِدٍ.
وَلَوْ فِي مَحَلٍّ لَا يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ حَتَّى عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِالْوَاحِدِ الْعَدْلِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ] فَالضَّمِيرُ لِلْمُقَيَّدِ بِدُونِ قَيْدِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَالثَّانِي هِلَالُ شَوَّالٍ.
[قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا] أَيْ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَأْتِي كَامِلًا وَنَاقِصًا.
[قَوْلُهُ: الَّذِي تَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ] الثَّابِتُ رُؤْيَتُهُ إمَّا شَوَّالٌ أَوْ رَمَضَانُ، وَالشَّهْرُ الْأَوَّلُ إمَّا رَمَضَانُ فِي هَذِهِ أَوْ شَعْبَانُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
[قَوْلُهُ: فَيَعُدُّ إلَخْ] ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ عِدَّةَ ثَلَاثِينَ مِنْ عِدَّةِ مَا قَبْلَهُ وَلَوْ جَاءَ قَبْلَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا كَامِلَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ نَوَاقِصَ وَلَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَوَامِلَ كَذَا أَفَادَهُ عج.
وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ لِذَلِكَ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ ثَلَاثِينَ مُطْلَقًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ.
وَيَعُدُّ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ أَيْ الْمُكَلِّفُ.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ إلَخْ] تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ فِي الْفِطْرِ.
[قَوْلُهُ: وَأَصْلُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ إلَخْ] قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» .
الْبَاجِيُّ: تَقْدِيرُهُ إتْمَامُ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ ثَلَاثِينَ، وَالتَّقْدِيرُ يَأْتِي بِمَعْنَى التَّمَامِ.
[قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ طُلُوعِهِ] أَيْ يَنْوِي مُقَارِنًا لِطُلُوعِهِ.
[قَوْلُهُ: الْقُرْبَةَ إلَى اللَّهِ] أَيْ التَّقَرُّبَ أَقُولُ: إنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ الْفِعْلَ.
[قَوْلُهُ: وَبَعْدَ أَنْ يُبَيِّتَ الصِّيَامَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ] قَالَ تت: فُهِمَ مِنْ يُبَيِّتُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ تُجْزِئُ.
[قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْبَيَاتُ فِي بَقِيَّتِهِ] أَيْ وَكَذَلِكَ كُلُّ صَوْمٍ يَجِبُ تَتَابُعُهُ يَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ كَالظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَكَذَلِكَ مَا نَذَرَهُ مُتَتَابِعًا وَلَا تَكْفِي فِي صَوْمٍ مَسْرُودٍ وَلَا فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْفِيَّ