الْعِبَادَةِ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» .
(وَإِنْ شَكَّ) صَائِمُ رَمَضَانَ (فِي) طُلُوعِ (الْفَجْرِ فَلَا يَأْكُلُ) وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يُجَامِعُ وَهَذَا النَّهْيُ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ وَإِنْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ فَيَحْرُمُ الْأَكْلُ وَنَحْوُهُ اتِّفَاقًا.
(وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ لِيُحْتَاطَ بِهِ مِنْ رَمَضَانَ) وَهَذَا النَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَيَوْمُ الشَّكِّ الْمَنْهِيُّ عَنْ صِيَامِهِ عِنْدَنَا أَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ وَلَمْ تَثْبُتْ الرُّؤْيَةُ فَصَبِيحَةُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ هُوَ يَوْمُ الشَّكِّ، وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ يَوْمُ الشَّكِّ أَنْ يَشِيعَ عَلَى أَلْسِنَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ رَأَوْا الْهِلَالَ، وَلَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي؛ لِأَنَّا فِي الْغَيْمِ مَأْمُورُونَ بِإِكْمَالِ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ فَلَا شَكَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
ابْنُ بَشِيرٍ: يَنْبَغِي إمْسَاكُهُ لِوُصُولِ أَخْبَارِ الْمُسَافِرِينَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ ثَبَتَ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَالْكَفُّ وَلَوْ أَكَلَ وَفِيهَا مَنْ تَعَمَّدَ فِطْرَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَهَاوَنَ بِفِطْرِهِ بِعِلْمِهِ مَا يَجِبُ عَلَى مُتَعَمِّدِهِ فِطْرُهُ (وَمَنْ صَامَهُ) يَعْنِي يَوْمَ الشَّكِّ (كَذَلِكَ) يَعْنِي احْتِيَاطًا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ (لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ وَافَقَ مِنْ رَمَضَانَ) لِعَدَمِ جَزْمِ النِّيَّةِ.
د: قَوْلُهُ وَإِنَّ الرِّوَايَةَ كَذَا بِالْوَاوِ وَهِيَ تُفْهَمُ بِالْمُبَالَغَةِ وَالصَّوَابُ إنْ وَافَقَهُ إذْ لَا مَحَلَّ لِغَيْرِهِ، وَيُبَاحُ صَوْمُهُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا
ــ
[حاشية العدوي]
الثَّانِي: «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ» .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْبَرَكَةُ مَا يَتَّفِقُ لِلْمُتَسَحِّرِ مِنْ ذِكْرٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ اسْتِغْفَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَوْلَا الْقِيَامُ لِلسُّحُورِ لَكَانَ الْإِنْسَانُ نَائِمًا عَنْهَا وَتَارِكًا.
[قَوْلُهُ: بِطَعَامٍ فِي السَّحَرِ] بِسِينٍ وَحَاءٍ وَرَاءٍ لَا سُحُورَ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ إذْ مَا قُلْنَاهُ هُوَ الْوَاقِعُ فِي ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ مُضَافٌ أَيْ يَأْكُلُ طَعَامَ السَّحَرِ بِفَتْحَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ شَكَّ إلَخْ] الْمُرَادُ بِالشَّكِّ هُنَا مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ لَا التَّرَدُّدَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يُجَامِعُ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ الْمُفْطِرَاتِ.
[قَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ] أَيْ وَهُمَا قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ إلَخْ] وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، وَفِي الثَّانِي بَقَاءُ النَّهَارِ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ] أَيْ كَالشُّرْبِ.
تَنْبِيهٌ: يَجِبُ عَلَى مَنْ أَكَلَ مَعَ الشَّكِّ الْقَضَاءُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ الْأَكْلُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَلْزَمُ الْمُنْتَهِكَ لِلْحُرْمَةِ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَكَلَ عَلَى يَقِينٍ ثُمَّ طَرَأَ لَهُ الشَّكُّ فِي الْفَجْرِ وَالْغُرُوبِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى شَكِّهِ.
[قَوْلُهُ: وَهَذَا النَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ:] مَوْقُوفٌ عَلَى الصَّحَابِيِّ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ. [قَوْلُهُ: «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» ] وَالْأَوَّلُ يَقُولُ إنَّ الْعِصْيَانَ كِنَايَةٌ عَنْ التَّشْدِيدِ لَا أَنَّهُ عِصْيَانٌ حَقِيقَةً.
[قَوْلُهُ: فَلَا شَكَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ] قَالَ عج فِي حَاشِيَةِ عبق: هَذَا فَإِنْ قُلْت وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَحْنُ مَأْمُورُونَ بِإِكْمَالِ الْعَدَدِ فَلَا شَكَّ فَالْجَوَابُ أَنَّ مُثِيرَ الشَّكِّ فِيمَا اخْتَرْنَاهُ حَاصِلٌ وَهُوَ مَا جَرَى عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ مِنْ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ فَالشَّكُّ مَوْجُودٌ سَبَبُهُ وَلَا سَبَبَ لِلشَّكِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى سِوَى عَدَمِ الرُّؤْيَةِ، وَذَلِكَ لَا يُثِيرُ شَكًّا؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ.
[قَوْلُهُ: يَنْبَغِي إمْسَاكُهُ] أَيْ يُنْدَبُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ الْإِفْطَارِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ لِأَجْلِ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْأَمْرَ فِيهِ بِارْتِفَاعِ النَّهَارِ وَخَبَرِ السُّفَّارِ وَنَحْوِهِمْ.
[قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَهَاوَنَ بِفِطْرِهِ] لِعِلْمِهِ مَا عَلَى مُتَعَمِّدِ فِطْرِهِ أَيْ مِنْ الْحُرْمَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَحُرْمَةِ الْفِطْرِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لُزُومَ الْكَفَّارَةِ.
[قَوْلُهُ: إذْ لَا مَحَلَّ لِغَيْرِهِ] أَيْ لِغَيْرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الَّتِي هِيَ إنْ وَافَقَهُ وَغَيْرُهَا هُوَ