للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفِطْرِ) بَعْدَ تَحَقُّقِ دُخُولِ اللَّيْلِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ: يَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ يَوْمَ الْعِيدِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَجْرُ الصِّيَامِ. ع: يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى طَعَامٍ حَلَالٍ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يُعْتِقُ اللَّهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ سَبْعِينَ أَلْفَ عَتِيقٍ مِنْ النَّارِ إلَّا مُفْطِرًا عَلَى مُسْكِرٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ مَنْ آذَى مُسْلِمًا» انْتَهَى. اُنْظُرْ مَنْ خَرَّجَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا رَأَيْت مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ (وَ) مِنْ السُّنَّةِ أَيْضًا (تَأْخِيرُ السَّحُورِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا، فَالْفَتْحُ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ وَالضَّمُّ اسْمٌ لِلْفِعْلِ بَعْدَ تَحَقُّقِ بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَانْظُرْ هَلْ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهَا أَوْ الْمُسْتَحَبَّ وَقَدْ عَدَّهَا صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» .

تَنْبِيهٌ: اُنْظُرْ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ حُكْمِ تَأْخِيرِ السُّحُورِ حُكْمُ السُّحُورِ الظَّاهِرِ؟ لَا فَإِنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، وَالْحُكْمُ فِيهَا الِاسْتِحْبَابُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» .

قَالَ بَعْضُهُمْ: بَرَكَتُهُ التَّقَوِّي عَلَى

ــ

[حاشية العدوي]

الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مَضِيقٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَالطَّعَامُ فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَقَدْ ذَهَبَ إلَى تَقْدِيمِ الطَّعَامِ.

[قَوْلُهُ: بَعْدَ تَحَقُّقِ دُخُولِ اللَّيْلِ] وَتَحَقُّقُ دُخُولِ اللَّيْلِ يَكُونُ بِتَحَقُّقِ غُرُوبِ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ لِمَنْ يَنْظُرُهُ أَوْ دُخُولِ الظُّلْمَةِ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ بِالْغُرُوبِ لِمَنْ لَمْ يَنْظُرْ قُرْصَ الشَّمْسِ كَمَحْبُوسٍ بِحُفْرَةٍ تَحْتَ الْأَرْضِ وَلَا مُخْبِرَ لَهُ.

[قَوْلُهُ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْرُمُ إلَخْ] قَالَ عج: بَعْدَ مَا نَقَلَ كَلَامَ هَذَا الشَّارِحِ إلَيَّ فَقَوْلُهُ وَلَهُ أَجْرُ الصَّائِمِ إلَخْ.

قُلْت: إمْسَاكُهُ إنْ كَانَ بَعْدَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ يَحْرُمُ وَإِلَّا فَلَا اهـ.

الْمُرَادُ مِنْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ لَهُ أَجْرَ الصَّائِمِ ضَعِيفٌ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ الْحُرْمَةُ لَا وَجْهَ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عج: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ تَأْخِيرَ الْفِطْرِ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مَكْرُوهٌ اهـ.

[قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى طَعَامٍ حَلَالٍ] أَيْ يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبَ وَإِلَّا فَتَنَاوُلُ الطَّعَامِ الْحَلَالِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا إفْطَارًا أَوْ غَيْرَهُ.

[قَوْلُهُ: يُعْتِقُ] بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَعْتَقَ.

[قَوْلُهُ: وَالضَّمُّ اسْمٌ لِلْفِعْلِ] أَيْ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا.

[قَوْلُهُ: بَعْدَ تَحَقُّقِ بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ] وَقَدْرُ التَّأْخِيرِ الْأَكْمَلِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إلَى الْفَجْرِ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الْقَارِئُ خَمْسِينَ آيَةً، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْقَارِئُ الْمُتَمَهِّلُ فِي قِرَاءَتِهِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَوَقْتُ تَأْخِيرِ السُّحُورِ يَدْخُلُ ابْتِدَاؤُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، وَكُلَّمَا تَأَخَّرَ كَانَ أَفْضَلَ.

[قَوْلُهُ: هَلْ أَرَادَ إلَخْ] أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ، يُقَالُ: بَلْ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الْمُسْتَحَبَّ حَتَّى لَا يُخَالِفَ قَوْلَ الْمُخْتَصَرِ وَنُدِبَ تَعْجِيلُ فِطْرٍ وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ.

[قَوْلُهُ: فَتَمَرَاتٌ] بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَالْمُرَادُ بِهِ تَمْرُ النَّخْلِ إنَّمَا نُدِبَ الْفِطْرُ عَلَى التَّمْرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْحَلَوِيَّاتِ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ مَا زَاغَ مِنْ الْبَصَرِ بِالصَّوْمِ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ] وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَالْمُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ الْفِطْرُ عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ لِبَرَكَتِهِ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَحَسَنٌ.

وَاسْتَحَبَّ أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَوْنَ التَّمْرِ ثَلَاثًا وَلَعَلَّ الرُّطَبَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عِنْدَنَا خِلَافُهُ فِي عِلْمِي قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ.

تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ عِنْدَ الْفِطْرِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت، أَوْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّ السُّحُورَ بَرَكَةٌ] بِضَمِّ السِّينِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الْعِبَادَةِ أَيْ الَّتِي هِيَ الصَّوْمُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>