لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِأَبِيهِ مَالٌ، وَلَا تَرْجِعُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ وَمِنْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيُسْتَحَبُّ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ) الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ (إذَا أَفْطَرَ أَنْ يُطْعِمَ) وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] .
وَقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْإِطْعَامِ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ (وَالْإِطْعَامُ) الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ (فِي هَذَا كُلِّهِ) أَيْ فِي نَظَرِ الْحَامِلِ الْخَائِفَةِ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا وَالْمُرْضِعِ الْخَائِفَةِ عَلَى وَلَدِهَا وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ (مُدٌّ) بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الطَّهَارَةِ (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيهِ) فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّيْخَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ أَصْلًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.
ع: وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: (وَكَذَلِكَ يُطْعِمُ مَنْ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ) رَاجِعٌ إلَى الْقَدْرِ لَا إلَى الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ الشَّيْخِ كَمَا تَقَدَّمَ مُسْتَحَبٌّ وَإِطْعَامَ الْمُرْضِعِ وَاجِبٌ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَعَنْ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يُرَاعَى تَفْرِيطُهُ فِي شَعْبَانَ إذَا كَانَ فِيهِ صَحِيحًا مُقِيمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ، وَإِنْ مَرِضَ فِيهِ أَوْ سَافَرَ فَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الثَّانِي إنَّمَا يُرَاعَى تَفْرِيطُهُ فِي شَوَّالٍ فَإِنْ لَمْ يَمْرَضْ فِيهِ وَلَا سَافَرَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ. وَانْظُرْ هَلْ النِّسْيَانُ عُذْرٌ يُسْقِطُ عَنْهُ الْإِطْعَامَ
ــ
[حاشية العدوي]
بِتَجْرِبَةٍ وَمَاتَ الْوَلَدُ فَالدِّيَةُ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ عَنْ تَقْرِيرِهِ.
[قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَخْ] أَيْ فَإِنْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَالْأُجْرَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهَا كَالنَّفَقَةِ، وَالْأَبُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ مَالِ الْأَبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ فَمِنْ مَالِ الْأُمِّ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ تَقْدِيمِ مَالِ الْأَبِ عَلَى مَالِ الْأُمِّ، وَالْخِلَافُ فِي مَالِ الْأُمِّ الَّتِي يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ وَإِلَّا اُتُّفِقَ عَلَى تَقْدِيمِ مَالِ الْأَبِ عَلَى مَالِ الْأُمِّ.
[قَوْلُهُ: لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ] وَمِثْلُهُ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَةُ أَيْ الْعَجُوزُ وَكُلُّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ.
[قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ] وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ] أَيْ أَنَّهُ لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ، وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لَا فِدْيَةَ إلَّا أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ حَمَلَتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِطْعَامُ فَلَا يُنَافِي نَدْبَهُ.
[قَوْلُهُ: فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ] أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيهِ أَيْ إنْ كَانَ يَجِبُ الْقَضَاءُ فَلَا يُرَدُّ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُمَا يُطْعِمَانِ وَلَا يَقْضِيَانِ [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ يُطْعِمُ مَنْ فَرَّطَ إلَخْ] أَيْ أَنَّ مَنْ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِإِخْرَاجِ مُدٍّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيه يَدْفَعُهُ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ أَعْطَى الْمُدَّ لِاثْنَيْنِ كَمَّلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ، وَإِنْ أَعْطَى مُدَّيْنِ لِوَاحِدٍ انْتَزَعَ وَاحِدًا إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَيَّنَ أَنَّهُ كَفَّارَةٌ.
[قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ] أَيْ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ] أَيْ فَإِنَّهَا قَالَتْ: إنْ كَانَ لِيَكُونَ عَلَيَّ الصِّيَامُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصُومَهُ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ لِلشُّغْلِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَظَاهِرُهُ لَوْ كَانَ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ شَعْبَانَ لَأَخَّرْته وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرْته، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا مُوَسَّعًا.
[قَوْلُهُ: وَعَنْ مَالِكٍ] ضَعِيفٌ.
[قَوْلُهُ: إنَّمَا يُرَاعَى] أَيْ إذَا كَانَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي عَلَيْهِ صَحِيحًا مُقِيمًا فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَتُعْتَبَرُ الْإِقَامَةُ وَالصِّحَّةُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ وَهَكَذَا.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ مَرِضَ] أَيْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ فِي الزَّمَنِ الْمُسَاوِي لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَمِثْلُ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ الْحَيْضُ أَوْ النِّفَاسُ.
[قَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي إلَخْ] فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ فَتُعْتَبَرُ الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى قِيَاسِ مَا قُلْنَا فِي شَعْبَانَ، وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ ضَعِيفٌ.
[قَوْلُهُ: وَانْظُرْ هَلْ النِّسْيَانُ عُذْرٌ إلَخْ] لَا نَظَرَ فَإِنَّ الْبُرْزُلِيَّ قَالَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِطْعَامَ.
وَقَالَ السُّيُورِيُّ حِينَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ: لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ أَيْ بِخِلَافِ التَّأْخِيرِ لِإِكْرَاهٍ أَوْ جَهْلٍ فَلَا كَفَّارَةَ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْجَاهِلَ أَوْلَى مِنْ النَّاسِي.