كَانَ التَّأْوِيلُ قَرِيبًا وَهُوَ مَا يَقَعُ سَبَبُهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِاسْتِنَادِهِ إلَى سَبَبٍ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِذَلِكَ سِتَّةَ صُوَرٍ، إحْدَاهَا: الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ وَبَاقِيهَا نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ بَعِيدًا وَهُوَ مَا لَمْ يَقَعْ سَبَبُهُ فَالْكَفَّارَةُ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِذَلِكَ خَمْسَ صُوَرٍ مِنْهَا:
مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فَظَنَّ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُهُ فَأَصْبَحَ مُفْطِرًا.
(وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ) بِفَمٍ (أَوْ جِمَاعٍ) مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ إنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِانْتِهَاكِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ وَلَا يَجِبُ إنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ قَرِيبٍ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُتَعَمِّدِ مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: مَا يَقَعُ سَبَبُهُ] أَيْ مَا يُوجَدُ سَبَبُهُ، وَسَيَأْتِي يَقُولُ فِي الْبَعِيدِ وَهُوَ مَا لَمْ يَقَعْ سَبَبُهُ أَيْ مَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبُهُ، هَذَا مَدْلُولُهُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ إلَّا أَنَّ فِي الْقَرِيبِ السَّبَبِيَّةَ قَوِيَّةٌ بِخِلَافِ الْبَعِيدِ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِاسْتِنَادِهِ إلَى سَبَبٍ] أَيْ قَوِيٍّ.
[قَوْلُهُ: وَبَاقِيهَا نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ] ثَانِيهَا مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا ثُمَّ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا ظَانًّا الْإِبَاحَةَ فَهَذَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، ثَالِثُهَا: مَنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ فَاعْتَقَدَ أَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يَلْزَمُ فَأَفْطَرَ عَامِدًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
رَابِعُهَا: مَنْ تَسَحَّرَ فِي الْفَجْرِ فَظَنَّ أَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يَلْزَمُهُ فَأَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَامِدًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ تَسَحَّرَ قُرْبَهُ فَظَنَّ أَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ فَأَفْطَرَ عَمْدًا فَهُوَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، خَامِسُهَا: مَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ فِي رَمَضَانَ لَيْلًا فَاعْتَقَدَ أَنَّ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَا يَلْزَمُ فِيهِ صَوْمٌ وَأَنَّ مِنْ شُرُوطِ لُزُومِ الصَّوْمِ أَنْ يَقْدَمَ مِنْ سَفَرِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
سَادِسُهَا: مَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نَهَارًا صَبِيحَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ نَهَارِ رَمَضَانَ فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ فِطْرٍ لِظَنِّهِ أَنَّ الْهِلَالَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ فَأَفْطَرَ عَمْدًا فَلَا كَفَّارَةَ سَوَاءٌ رَآهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ مَعَهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ فِي الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ ظَنُّوا الْإِبَاحَةَ وَأَمَّا لَوْ عَلِمُوا الْحُرْمَةَ أَوْ ظَنُّوهَا أَوْ شَكُّوهَا كَفَّرُوا وَكَانُوا آثِمِينَ بِخِلَافِ مَنْ ظَنَّ الْإِبَاحَةَ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ نَقَلْنَاهَا أَنَّثَ وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ نَقَلْنَاهُ نَظَرًا لِكَوْنِ الْبَاقِي صُوَرًا.
[قَوْلُهُ: فَظَنَّ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُهُ إلَخْ] ثَانِيهَا مِنْ عَادَتِهِ أَنْ تَأْتِيَهُ الْحُمَّى فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَصْبَحَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَأْتِي فِيهِ مُفْطِرًا ثُمَّ إنَّ الْحُمَّى أَتَتْهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَأَوْلَى إنْ لَمْ تَأْتِهِ.
ثَالِثُهَا: مَنْ عَادَتُهَا الْحَيْضُ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ فَأَصْبَحَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَأَفْطَرَتْهُ ثُمَّ جَاءَهَا الْحَيْضُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ: رَابِعُهَا: مَنْ حَجَمَ أَوْ احْتَجَمَ فَأَفْطَرَ ظَانًّا الْإِبَاحَةَ لِأَجْلِ هَذَا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ.
وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالتَّعَمُّدُ أَنَّهُ مِنْ التَّأْوِيلِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى حَاجِمٍ وَلَا مُحْتَجِمٍ.
خَامِسُهَا: مَنْ اغْتَابَ شَخْصًا فِي رَمَضَانَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ أَبْطَلَ صَوْمَهُ لِأَنَّهُ أَكَلَ لَحْمَ صَاحِبِهِ فَأَفْطَرَ عَامِدًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَأَوْلَى الْقَضَاءُ.
[قَوْلُهُ: بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ] فَلَوْ عَزَمَ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ الْجِمَاعِ وَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَلَا قَضَاءٌ كَمَنْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَنْقُضَ وُضُوءُهُ بِرِيحٍ مَثَلًا وَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: أَوْ جِمَاعٍ] فِيهِ قُصُورٌ إذْ مَنْ تَعَمَّدَ إنْزَالَ الْمَنِيِّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ نَظَرَ الْمُصَنِّفُ لِلْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ بِالْجِمَاعِ الْجِمَاعُ الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ فَوَطْءُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ لَا قَضَاءَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَنِيٌّ وَلَا مَذْيٌ قَالَهُ عج.
[قَوْلُهُ: إنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِانْتِهَاكِ] أَيْ ظَاهِرًا وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي يَوْمٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ أَوْ أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حَائِضٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَنْ أَفْطَرَتْ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ يَأْتِيهَا بَعْدَ فِطْرِهَا الْحَيْضُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ، وَالِانْتِهَاكُ يَتَضَمَّنُ كَوْنَهُ مُخْتَارًا عَالِمًا بِحُرْمَةِ الْمُوجِبِ الَّذِي فَعَلَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فَيَخْرُجُ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ مُوجِبَاتِ الْكَفَّارَةِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ غَلَبَةً إلَّا مَنْ اسْتَاكَ بِجَوْزَاءَ نَهَارًا عَمْدًا وَابْتَلَعَهَا غَلَبَةً