تَأَخُّرَ بُرْءٍ الْقَضَاءُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَرَضُ لَا يَشُقُّ مَعَهُ صَوْمٌ وَلَا يَخَافُ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَلَا تَأَخُّرَ الْبُرْءِ وَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.
(وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا) أَيْ تَلَبَّسَ بِسَفَرٍ وَقْتَ انْعِقَادِ النِّيَّةِ (تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ فَأَكْثَرُ ذَاهِبًا أَوْ رَاجِعًا وَلَمْ يَكُنْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ وَبَاتَ عَلَى الْفِطْرِ (فَ) يُبَاحُ (لَهُ أَنْ يُفْطِرَ) بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ وَبَالَغَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ تَنَلْهُ ضَرُورَةٌ) غَيْرُ ضَرُورَةِ السَّفَرِ فَمَعَ الضَّرُورَةِ أَحْرَى (وَ) مَعَ إبَاحَةِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ يَجِبُ (عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) إذَا أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] (وَالصَّوْمُ) فِي السَّفَرِ (أَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] وَيُبَيِّتُ الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ كُلَّ لَيْلَةٍ.
(وَمَنْ سَافَرَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَظَنَّ) أَيْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى تَيَقَّنَ (أَنَّ الْفِطْرَ مُبَاحٌ لَهُ فَأَفْطَرَ) لِذَلِكَ (فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ وَلَمْ يَقْصِدْ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ الشَّهْرِ (وَ) إنَّمَا يَجِبُ (عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) فَقَطْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَلَوْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: (وَكُلُّ مَنْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ مِنْ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، إذْ الْمَشْهُورُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ إنْ
ــ
[حاشية العدوي]
فِي ذَلِكَ لِتَجْرِبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ إخْبَارِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ أَوْ مُوَافِقٍ لَهُ فِي الْمِزَاجِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ تَلَبَّسَ بِسَفَرٍ وَقْتَ انْعِقَادِ النِّيَّةِ] بِأَنْ وَصَلَ إلَى مَحَلِّ بَدْءِ الْقَصْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ انْعِقَادِ النِّيَّةِ هُوَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ، وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ لَوْ ابْتَدَأَ سَفَرَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَيْ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ ثَانِيَ يَوْمٍ.
وَقَوْلُهُ: وَبَاتَ عَلَى الْفِطْرِ فَإِنْ وَصَلَ إلَى مَحَلِّ بَدْءِ الْقَصْرِ كَمَا ذَكَرَ وَبَيَّتَ الصَّوْمَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ، فَإِنْ أَفْطَرَ اخْتِيَارًا كَفَّرَ تَأَوَّلَ أَمْ لَا، وَحَاصِلُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ أَنَّهُ مَتَى نَوَاهُ بِسَفَرٍ فَأَفْطَرَ كَفَّرَ مُتَأَوِّلًا أَوْ لَا وَكَذَا مَنْ شَرَعَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَيَّتَ الْفِطْرَ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ مُتَأَوِّلًا أَوْ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ أَفْطَرَ بِالْفِعْلِ أَوْ لَا، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ تُضَمُّ لِلْأُولَيَيْنِ فَالْجُمْلَةُ عَشْرَةٌ، وَكَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ شَرَعَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَأَفْطَرَ قَبْلَ عَزْمِهِ وَشُرُوعِهِ فِي السَّفَرِ مُتَأَوِّلًا أَمْ لَا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ تُضَمُّ لِلْعَشْرَةِ فَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ.
وَكَذَا تَجِبُ إذَا بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ وَأَفْطَرَ بَعْدَ عَزْمِهِ وَقَبْلَ شُرُوعِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ أَوْ مُتَأَوِّلًا وَلَمْ يُسَافِرْ يَوْمَهُ، فَإِنْ تَأَوَّلَ وَسَافَرَ يَوْمَهُ فَلَا كَفَّارَةَ كَمَا إذَا بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ بِالْفِعْلِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَمْ لَا فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ تَأَوَّلَ بِفِطْرِهِ أَمْ لَا، حَصَلَ عَزْمٌ عَلَى السَّفَرِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَمْ لَا، فَهَذِهِ سَبْعَةٌ تُضَمُّ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ فَالْجُمْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ صُورَةً.
[قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ إلَخْ] وَمِنْ غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ الْمَكْرُوهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي.
[قَوْلُهُ: فَيُبَاحُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ] أَيْ بِالْفِعْلِ بِأَكْلٍ إلَخْ، وَلَوْ فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: فَلَهُ أَنْ يُبَيِّتَ الْفِطْرَ لَكَانَ أَخْصَرَ.
وَقَوْلُهُ: بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ أَيْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَمَعَ إبَاحَةِ الْفِطْرِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَمَلَ الْفِطْرَ عَلَى الْفِطْرِ بِالْفِعْلِ، فَمُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُفْطِرْ بِالْفِعْلِ وَالْفَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّتْ الْفِطْرَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
[قَوْلُهُ: لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ قَالَهُ تت.
فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصْرِ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ فِي الْقَصْرِ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا بِخِلَافِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَأَيْضًا الْإِتْمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا يُجْزِئُ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الْمُعْتَبِرُونَ عَلَى إجْزَاءِ الصَّوْمِ فَكَانَ أَوْلَى.
[قَوْلُهُ: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤]] أَيْ الْمُرَخَّصُونَ فِي الْإِفْطَارِ مِنْ الْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ، وَفُسِّرَتْ الْآيَةُ وَأَنْ تَصُومُوا أَيْ الْمُطِيقُونَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ الْفِدْيَةِ، وَلَعَلَّ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ يُفَسَّرُ بِهِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: بِمَعْنًى تَيَقَّنْ] أَيْ اعْتَقِدْ وَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ.
[قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْصِدْ إلَخْ] لَازِمٌ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ.
[قَوْلُهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّأْوِيلُ قَرِيبًا أَمْ بَعِيدًا.