للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ] وَإِنَّمَا عَقَّبَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ عَقِبَهُ لِالْتِمَاسِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ إذْ هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ عَلَى أَحَدِ التَّشْهِيرَيْنِ وَبَدَأَ بِحُكْمِهِ فَقَالَ: (وَالِاعْتِكَافُ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ) الْمُرَغَّبِ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَفْضَلُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِ ثُمَّ بَيَّنَ مَعْنَاهُ لُغَةً بِقَوْلِهِ: (وَالْعُكُوفُ الْمُلَازَمَةُ) عَلَى الشَّيْءِ وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَعْنَاهُ شَرْعًا فَهُوَ لُزُومُ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ الْمَسْجِدَ لِلذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ صَائِمًا كَافًّا عَنْ الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ يَوْمًا فَمَا

ــ

[حاشية العدوي]

[قَوْلُهُ: إذْ هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ] أَيْ بِرَمَضَانَ عَلَى أَحَدِ التَّشْهِيرَيْنِ، وَقِيلَ: وَلَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِهِ.

[قَوْلُهُ: الْمُرَغَّبِ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ.

وَهُمَا ضَعِيفَانِ، إلَّا أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ الَّتِي أَفَادَهَا الشَّارِحُ تَقْتَضِي السُّنِّيَّةَ فَهُوَ مُشْكِلٌ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ خِلَافَهُ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ وَإِنْ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَعْتَكِفُ وَتَارَةً يَتْرُكُ فَلَا يَصْدُقُ ضَابِطُ السُّنَّةِ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ] أَيْ وَأَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ الْكَائِنُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَحَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِكَافُ فِي رَمَضَانَ لِكَوْنِهِ سَيِّدَ الشُّهُورِ وَتُضَاعَفُ فِيهِ الْحَسَنَاتُ، وَيَتَأَكَّدُ الِاسْتِحْبَابُ بِالْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ الْغَالِبَةِ الْوُجُودِ بِهِ.

وَقَوْلُهُ: لِمُوَاظَبَتِهِ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَنَّ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ فَقَطْ خِلَافُ مَا حَلَّيْنَا بِهِ كَلَامَهُ أَوَّلًا، إلَّا أَنَّهُ عَلَى كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ لَيْسَ فِي الْمُصَنَّفِ تَعْيِينُ الْحُكْمِ هَلْ هُوَ النَّدْبُ أَوْ السُّنِّيَّةُ بَلْ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ تَقْتَضِي السُّنِّيَّةَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا.

[قَوْلُهُ: عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ [قَوْلُهُ: وَالْعُكُوفُ الْمُلَازَمَةُ عَلَى الشَّيْءِ] أَيْ طَاعَةً كَانَ أَوْ مَعْصِيَةً.

قَالَ تَعَالَى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: ١٣٨] هَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً، وَلَمَّا كَانَ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ جُنُوحٌ إلَى التَّعْرِيفِ بِالْأَعَمِّ وَالْأَكْثَرِ عَلَى مَنْعِهِ حَوَّلَهُ الشَّارِحُ إلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَكِنْ فِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ دَأْبُ الْمُصَنِّفِ التَّكَلُّمَ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الثَّانِي: أَنَّ ذِكْرَهُ التَّعْرِيفَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالِاعْتِكَافُ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ يُرْشِدُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمُلَازَمَةُ عَلَى الْقُرْبَةِ أَيْ الْقَاصِرَةِ الَّذِي هُوَ التَّعْرِيفُ الشَّرْعِيُّ، وَاعْتَرَفَ بِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمَ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصَوُّرِ، فَالتَّصْدِيقُ هُوَ قَوْلُهُ: وَالِاعْتِكَافُ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ وَالتَّصَوُّرُ هُوَ قَوْلُهُ وَالْعُكُوفُ الْمُلَازَمَةُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمَ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصَوُّرِ لِلْغَيْرِ لَا التَّصَوُّرِ فَلَا إيرَادَ [قَوْلُهُ: وَحَبْسُ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ عَطْفَ مُرَادِفٍ [قَوْلُهُ: لُزُومُ] يُشْعِرُ بِطُولِ الْمُكْثِ فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَارِّ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمُرَادُ اللُّزُومُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الضَّرُورِيِّ [قَوْلُهُ: الْمُسْلِمِ] قَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ.

وَإِلَّا فَالْكَافِرُ مُخَاطَبٌ بِهَا إلَّا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ [قَوْلُهُ: الْمُمَيِّزِ] أَيْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ عَبْدًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ.

وَالْمُمَيِّزُ هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَهْمِ الْخِطَابِ وَبِرَدِّ الْجَوَابِ أَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ فَهِمَهُ وَأَحْسَنَ الْجَوَابَ عَنْهُ لَا أَنَّهُ إذَا دُعِيَ أَجَابَ.

[قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>