بِالْأَجْزَاءِ لَا بِالْقِيمَةِ بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَضْعَافَهَا، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ أَوْ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ، فَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ يُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَلَا يُخْرِجُ شَيْئًا، وَيَجُوزُ إخْرَاجُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ زَكَاةِ الْعَيْنِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى زَكَاةِ الْعُرُوضِ فَقَالَ: (وَلَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ) الْمُرَادُ بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ الرَّقِيقُ وَالْعَقَارُ وَالرِّبَاعُ وَالثِّيَابُ وَالْقَمْحُ وَجَمِيعُ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْحَيَوَانِ إذَا قَصَرَتْ عَنْ النِّصَابِ، وَهِيَ إمَّا لِلْقُنْيَةِ وَلَا زَكَاةَ فِيهَا اتِّفَاقًا، وَإِمَّا لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ اتِّفَاقًا وَهِيَ إمَّا لِلْإِدَارَةِ وَسَتَأْتِي وَإِمَّا لِلِاحْتِكَارِ وَهِيَ الَّتِي يَتَرَصَّدُ بِهَا الْأَسْوَاقَ لِرِبْحٍ وَافِرٍ، وَلِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا شُرُوطٌ أَحَدُهَا النِّيَّةُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (حَتَّى) أَيْ إلَّا أَنْ (تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ) أَيْ يَنْوِي بِهَا التِّجَارَةَ فَقَطْ أَوْ التِّجَارَةَ مَعَ الْقُنْيَةِ أَوْ الْغَلَّةِ احْتِرَازًا مِنْ عَدَمِ النِّيَّةِ كَأَنْ يُعَاوِضَ بِهَا وَلَا نِيَّةَ لَهُ، أَوْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لِنِيَّةِ التِّجَارَةِ كَالْقُنْيَةِ فَقَطْ أَوْ الْغَلَّةِ فَقَطْ أَوْ هُمَا مَعًا فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي هَذَا.
ثَانِيهَا: أَنَّهُ يَتَرَصَّدُ بِهَا الْأَسْوَاقَ أَيْ يُمْسِكُهَا إلَى أَنْ يَجِدَ فِيهَا رِبْحًا جَيِّدًا، وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (فَإِذَا بِعْتهَا بَعْدَ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ) ثَالِثُهَا: أَنْ يَمْلِكَهَا بِمُعَاوَضَةٍ وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (مِنْ يَوْمِ أَخَذْت ثَمَنَهَا أَوْ زَكَّيْته) احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَمْلِكَهَا بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ قَبَضْت ثَمَنَهَا. رَابِعُهَا: أَنْ يَبِيعَهَا بِعَيْنٍ وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (فَفِي ثَمَنِهَا
ــ
[حاشية العدوي]
وَالْفِضَّةَ إلَى الذَّهَبِ وَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْهُمَا.
[قَوْلُهُ: فَالْجَمْعُ بِالْأَجْزَاءِ] أَيْ بِالتَّجْزِئَةِ وَالْمُقَابَلَةِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ] أَيْ فَصَرْفُ دِينَارِ الزَّكَاةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَدَنَانِير الْجِزْيَةِ بِخِلَافِ دَنَانِيرِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا. [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ إخْرَاجُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ] وَإِخْرَاجُ الْجُدُدِ عَنْهُمَا فَيُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْرَاجِ لِلْقِيمَةِ.
الثَّانِي: يَجُوزُ إخْرَاجُ الْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَالْقَوْلُ الْمَشْهُورُ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مِنْ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي بَهْرَامَ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ] احْتِرَازًا عَنْ الْعَرْضِ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، فَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْمِثْلِيَّ وَمَا قَابَلَ الْحَيَوَانَ فِي الْجُمْلَةِ. [قَوْلُهُ: إذَا قَصَرَتْ عَنْ النِّصَابِ] أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي هِيَ الْقَمْحُ إلَخْ.
وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: إذَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا لِشُمُولِهِ لِمَا إذَا قَصَرَتْ أَوْ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهَا الْحَوْلُ أَوْ زَكَّى عَنْهَا فَلَا يُزَكِّيهَا مَرَّةً أُخْرَى. [قَوْلُهُ: وَلِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا] أَيْ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشُّرُوطِ عَامٌّ فِي الِاحْتِكَارِ وَالْإِدَارَةِ كَقَوْلِهِ مِنْ يَوْمِ أَخَذْت ثَمَنَهَا أَوْ زَكَّيْته، وَالْبَعْضُ خَاصٌّ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ فَإِذَا بِعْتهَا بَعْدَ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ خَاصٌّ بِالِاحْتِكَارِ، وَأَمَّا النَّضُوضُ وَلَوْ دِرْهَمًا فَخَاصٌّ بِالْإِدَارَةِ. [قَوْلُهُ: التِّجَارَةَ مَعَ الْقُنْيَةِ] أَيْ أَوْ التِّجَارَةَ وَالْقُنْيَةَ وَالْغَلَّةَ. [قَوْلُهُ: كَأَنْ يُعَاوِضُ بِهَا] الظَّاهِرُ قِرَاءَتُهُ بِالْفَتْحِ أَيْ كَأَنْ تَدْفَعَ عِوَضًا لَهُ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يُعْطِيهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا نِيَّةَ لَهُ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ سُقُوطُ الزَّكَاةِ فِي الْعَرْضِ، فَانْصَرَفَ عَدَمُ النِّيَّةِ إلَى الْأَصْلِ، وَأَمَّا مَعَ النِّيَّةِ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ فَأَحْرَى. [قَوْلُهُ: وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا بِعْتهَا بَعْدَ حَوْلٍ] لِأَنَّ شَأْنَ مَا يُبَاعُ بِالرُّخْصِ أَنْ لَا يَمْكُثَ حَوْلًا. [قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا أَنْ يَمْلِكَهَا بِمُعَاوَضَةٍ] أَيْ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَمْلِكَهَا بِإِرْثٍ مُحْتَرَزٍ.
قَوْلُهُ مُعَاوَضَةٌ وَقَوْلُهُ مَالِيَّةٌ احْتِرَازًا عَنْ الْمُعَاوَضَةِ الْغَيْرِ الْمَالِيَّةِ كَالْمَأْخُوذِ عَنْ خُلْعٍ. [قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ] وَلَوْ أَخَّرَ قَبْضَهُ هُرُوبًا مِنْ الزَّكَاةِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَبِيعَهَا بِعَيْنٍ] لَا إنْ لَمْ يَبِعْهَا أَصْلًا أَوْ بَاعَهَا بِغَيْرِ الْعَيْنِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِبَيْعِهِ بِغَيْرِ الْعَيْنِ الْهُرُوبَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ مَجَازًا بِأَنْ يَسْتَهْلِكَهُ شَخْصٌ وَيَأْخُذَ التَّاجِرُ قِيمَتَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُبَاعُ بِهِ نِصَابًا لِأَنَّ عُرُوضَ الِاحْتِكَارِ لَا تَقُومُ بِخِلَافِ الْمُدِيرِ فَيَكْفِي فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي حَقِّهِ مُطْلَقُ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ ثَمَنُ مَا بَاعَهُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْوِيمُ بَقِيَّةِ عُرُوضِهِ.