للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: ٢٩] الْآيَةَ وَلِأَنَّ الشِّرْكَ قَدْ شَمِلَهُمْ فَلَا اعْتِبَارَ بِأَنْسَابِهِمْ.

ثُمَّ بَيَّنَ حَقِيقَةَ الْجِزْيَةِ فَقَالَ: (وَالْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرَقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) هَذَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْعَنْوَةِ وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْكُفَّارِ فُتِحَتْ بِلَادُهُمْ قَهْرًا وَغَلَبَةً، وَكَذَا أَهْلُ الصُّلْحِ وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْكُفَّارِ حَمُوا بِلَادَهُمْ حَتَّى صَالَحُوا عَلَى شَيْءٍ يُعْطُونَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إنْ أُطْلِقَ وَلَمْ يُقَدَّرْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ، أَمَّا إنْ قُدِّرَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ أُخِذَ مِنْهُمْ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (وَ) إذَا أُخِذَتْ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ (يُخَفَّفُ عَنْ الْفَقِيرِ) بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ.

وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْفَقِيرِ وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ (وَتُؤْخَذُ مِمَّنْ تَجَرَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي مَعُونَتِهِ. وَقَوْلُهُ: الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ إلَخْ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّعْمِيمِ رَدُّ الْمُخَالِفِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْعَرَبِ وَلَيْسَ إلَّا الْقَتْلُ أَوْ الْإِسْلَامُ لِرَدِّهِ بِقَوْلِهِ وَالْعَرَبُ وَالْعَجَمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِب وَإِنَّمَا الَّذِي تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الصَّدَقَةُ مُضَاعَفَةً فَرَدَّهُ بِقَوْلِهِ: وَبَنُو تَغْلِب وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ. فَقَوْلُهُ: فَلَا اعْتِبَارَ بِأَنْسَابِهِمْ لَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّعْمِيمِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَبَنُو تَغْلِب وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ.

تَنْبِيهٌ:

نَصَارَى بَنِي تَغْلِب فِرْقَةٌ مِنْ الْعَرَبِ فَالنَّصْرَانِيَّة لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِيهِمْ لِأَنَّ الْمُتَأَصِّلَ فِيهَا مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْإِنْجِيلُ.

[قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ حَقِيقَةَ الْجِزْيَةِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْعَاقِدَ لَهَا الْإِمَامُ فَلَوْ عَقَدَهَا مُسْلِمٌ غَيْرُ الْإِمَامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ عَقْدُهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلَا أَسْرُهُ، وَيُفْعَلُ بِهِ غَيْرُهُمَا وَيَسْتَمِرُّ أَخْذُ الْجِزْيَةِ لِنُزُولِ سَيِّدِنَا عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْجِزْيَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِشُبْهَةِ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لِتَعَلُّقِهِمْ بِزَعْمِهِمْ بِشَرْعٍ قَدِيمٍ فَإِذَا نَزَلَ عِيسَى انْقَطَعَتْ شُبْهَتُهُمْ لِحُصُولِ مُعَايَنَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ] فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إلَّا الْمَوَاشِي فَعَلَيْهِمْ مَا رَاضَاهُمْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ.

وَظَاهِرُ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مُرَاضَاةٌ فَالظَّاهِرُ كَمَا فِي الزَّرْقَانِيِّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ الْإِبِلِ بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ، وَكَذَا أَهْلُ الْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَغَيْرُهُمْ. [قَوْلُهُ: أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ] أَيْ شَرْعِيَّةٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَيْ شَرْعِيَّةً فَإِنْ كَانُوا أَهْلَهُمَا رُوعِيَ الْأَغْلَبُ إنْ كَانَ وَإِلَّا خَيَّرَ الْإِمَامُ وَأَهْلُ مِصْرَ أَهْلَ ذَهَبٍ، وَإِنْ تُعُومِلَ فِيهَا بِالْفِضَّةِ [قَوْلُهُ: وَغَلَبَةً] مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ: وَكَذَا أَهْلُ الصُّلْحِ أَيْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا [قَوْلُهُ: حَمَوْا بِلَادَهُمْ] أَيْ فَكَانَ فِي فَتْحِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ: إنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى أَهْلِ الصُّلْحِ [قَوْلُهُ: وَإِذَا أُخِذَتْ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يُخَفَّفُ إلَخْ] أَيْ فَالتَّنْقِيصُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ إرَادَةِ الْأَخْذِ لَا عِنْدَ الضَّرْبِ لِأَنَّهَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ كَامِلَةً كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ.

تَنْبِيهٌ:

تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مُطْلَقًا آخِرَ الْحَوْلِ قَالَ بَعْضٌ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ يَحْصُلُ فِيهِ الْيَسَارُ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ أَوْ لَهَا فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ إذْ ذَاكَ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِهَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَخْذِهَا الْإِهَانَةُ فَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي دَفْعِهَا، فَإِذَا أَدَّاهَا فَإِنَّهُ يُصْفَعُ فِي قَفَاهُ وَيَبْسُطُ الْكَافِرُ كَفَّهُ فَيَأْخُذُهَا الْمُسْلِمُ مِنْ كَفِّهِ لِتَكُونَ يَدُ الْمُسْلِمِ الْعُلْيَا. [قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ إلَخْ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى شَيْءٍ سَقَطَتْ عَنْهُ كَمَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ صُلْحِيَّةً أَوْ عَنْوِيَّةً، وَلَوْ ظَهَرَ مِنْهُ التَّحَيُّلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِتَرَهُّبِهِ فِي دَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ التَّحَيُّلَ عَلَى إسْقَاطِهَا فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ.

[قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَخْ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: مِمَّنْ تَجَرَ] بِفَتْحِ الْجِيمِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ [قَوْلُهُ: لَا عِمَالَتِهِ] إتْيَانُهُ بِلَا تَوْكِيدٍ وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَغْنًى عَنْهَا، وَعَطْفُ الْعِمَالَةِ عَلَى مَحَلِّ الْجِزْيَةِ تَفْسِيرٌ وَمُرَادُهُ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ، وَالْأَقَالِيمُ خَمْسَةٌ مِصْرُ وَالشَّامُ وَالْعِرَاقُ وَالْأَنْدَلُسُ وَالْمَغْرِبُ فَالِاعْتِبَارُ بِهَذَا لَا بِالسَّلَاطِينِ إذْ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ السُّلْطَانِ قَالَهُ تت

<<  <  ج: ص:  >  >>