للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَهَذَا أَقْوَى مِنْ الْمَفْهُومِ، وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى بَيَانِ فُرُوضِ زَكَاةِ الْإِبِلِ اقْتِدَاءً بِالْحَدِيثِ وَفُرُوضُ زَكَاتِهَا إحْدَى عَشَرَةَ فَرِيضَةً أَرْبَعَةٌ مِنْهَا الْمَأْخُوذُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَهُوَ الْغَنَمُ، وَيُسَمَّى الْمُزَكَّى بِهَا شَنَقًا بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالنُّونِ، وَسَبْعَةٌ الزَّكَاةُ فِيهَا مِنْ جِنْسِهَا.

وَقَدْ أَشَارَ إلَى أُولَى الْأَرْبَعَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا زَكَاةَ مِنْ الْإِبِلِ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ فِي آخِرِهِ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» رُوِيَ بِالْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا. (وَهِيَ) أَيْ الْخَمْسُ ذَوْدٍ (خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) فَإِذَا بَلَغَتْ هَذَا الْعَدَدَ (فَ) الْوَاجِبُ (فِيهَا شَاةٌ جَذَعَةٌ أَوْ ثَنِيَّةٌ) وَهُمَا مَا أَوْفَى سَنَةً وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ (مِنْ جُلِّ غَنَمِ ذَلِكَ الْبَلَدِ مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ) فَإِنْ كَانَ جُلُّ غَنَمِهَا الضَّأْنَ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْزَ أُخِذَتْ مِنْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ.

وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّاةِ الْمَأْخُوذَةِ أَنْ تَكُونَ أُنْثَى، وَاشْتَرَطَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ ظَاهِرَ قَوْلِ الشَّيْخِ جَذَعَةٌ أَوْ ثَنِيَّةٌ، وَلَوْ دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْخَمْسِ بَعِيرًا بَدَلًا مِنْ الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ وَغَايَةُ أَخْذِ الشَّاةِ (إلَى تِسْعٍ) فَالْخَمْسُ فَرْضٌ وَالْأَرْبَعَةُ وَقَصٌ وَهِيَ أَقَلُّ أَوْقَاصِ الْإِبِلِ.

ك: اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الشَّاةِ هَلْ هِيَ مَأْخُوذَةٌ عَنْ الْخَمْسِ خَاصَّةً وَالْأَرْبَعَةُ الزَّائِدَةُ لَا شَيْءَ فِيهَا أَوْ هِيَ. مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجَمِيعِ وَأَنَّ الْأَوْقَاصَ مُزَكَّاةٌ أَيْضًا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ انْتَهَى.

وَقَالَ ع: وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ إلَى تِسْعٍ أَنَّ الْأَوْقَاصَ تُزَكَّى بَلْ الشَّاةُ وَجَبَتْ فِي

ــ

[حاشية العدوي]

بِالْإِجْمَاعِ [قَوْلُهُ: فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً إلَخْ] كَذَا فِي بَهْرَامَ. وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ كُلِّ كَمَا قَرَّرَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا. [قَوْلُهُ: اقْتِدَاءً بِالْحَدِيثِ] أَيْ إذْ فُعِلَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ الْمَكْتُوبِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ [قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى الْمُزَكَّى بِهَا شَنَقًا] أَيْ يُسَمَّى الْمُزَكَّى مِنْ الْإِبِلِ بِالْغَنَمِ شَنَقًا.

قَالَ عِيَاضٌ: الشَّنَقُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ فَسَّرَهُ مَالِكٌ بِمَا يُزَكَّى مِنْ الْإِبِلِ بِالْغَنَمِ وَأَبُو عُبَيْدٍ بِمَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ كَالْأَوْقَاصِ اهـ.

قَالَ الْحَطَّابُ: يُسَمَّى شَنَقًا لِكَوْنِهِ أُشْنِقَ إلَى غَيْرِهِ أَيْ أُضِيفَ أَيْ أُضِيفَتْ الْإِبِلُ إلَى الْغَنَمِ فَزُكِّيَتْ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا سُمِّيَ شَنَقًا لِأَنَّ السَّاعِيَ يُكَلِّفُ رَبَّ الْمَالِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَيُشَدِّدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ اهـ.

وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَبِالنُّونِ عَطْفٌ عَلَى بِفَتْحِ الشِّينِ فَلَا يُفِيدُ فَتْحَ النُّونِ.

[قَوْلُهُ: رُوِيَ بِالْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا] وَرِوَايَةُ الْإِضَافَةِ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ وَنَقَلَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عَنْ الْجُمْهُورِ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: تَقُولُ ثَلَاثُ ذَوْدٍ مَحْذُوفُ التَّاءِ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ الذَّوْدَ مُؤَنَّثَةٌ وَلَا مُفْرَدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَرَهْطٍ وَقَوْمٍ اهـ.

وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الذَّوْدُ مِنْ ثَلَاثٍ إلَى عَشَرَةٍ. [قَوْلُهُ: وَهُمَا مَا أَوْفَى سَنَةً إلَخْ] إلَّا أَنَّ الشَّاةَ الْجَذَعَةَ مَا أَوْفَتْ سَنَةً وَشَرَعَتْ فِي الثَّانِيَةِ، وَالثَّنِيَّةُ مَا أَوْفَتْ سَنَةً وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ دُخُولًا بَيِّنًا، وَالتَّاءُ فِيهِمَا لِلْوَحْدَةِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِجْزَاءِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ جُلُّ غَنَمِهَا الضَّأْنَ أُخِذَتْ مِنْهُ] وَلَا نَظَرَ لِغَنَمِ الْمَالِكِ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمَعْزَ أُخِذَتْ مِنْهُ فَإِنْ تَطَوَّعَ وَأَخْرَجَ ضَائِنَةً فَيُجْزِئُ لِأَنَّ الضَّائِنَةَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الضَّابِطَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَ غَيْرَ مَا طُلِبَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحَظَّ لِلْفُقَرَاءِ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ تَسَاوَيَا أُخْرِجَتْ مِنْ الضَّأْنِ فَإِنْ عُدِمَ بِمَحَلِّهِ الصِّنْفَانِ طُولِبَ بِكَسْبِ أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَاشْتَرَطَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ إلَخْ] تَقَدَّمَ أَنَّ التَّاءَ فِيهِمَا لِلْوَحْدَةِ [قَوْلُهُ: وَلَوْ دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْخَمْسِ إلَخْ] هَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْقَرَوِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَمُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ، وَمَحَلُّ الْقَوْلِ بِالْإِجْزَاءِ حَيْثُ سَاوَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ الشَّاةِ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ الْبَعِيرُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَاةٍ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ بِاتِّفَاقٍ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ] أَيْ إعَانَةٌ. [قَوْلُهُ: أَوْ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجَمِيعِ] وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.

وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي خَلِيطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا تِسْعٌ وَلِلْآخَرِ خَمْسٌ. [قَوْلُهُ: إنَّ ظَاهِرَ إلَخْ] أَمَّا كَوْنُهُ ظَاهِرًا لَاغِيًا فَمُسَلَّمٌ فَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إلَخْ. غَيْرُ ظَاهِرٍ نَعَمْ لَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>