وَأَوْفَى كَلَامَهُ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ سُنِّيَّتُهَا أَوْ وُجُوبُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ بِمَنْ فَضَلَ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ مَعَ صَاعٍ إنْ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ قُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ مَعَ صَاعٍ إنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَاعٍ بَلْ عَلَى بَعْضِهِ أَخْرَجَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ صَاعٌ وَلَا جُزْؤُهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ وَوَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ تَسَلَّفَ وَأَخْرَجَ، وَالصَّدَقَةُ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (صَاعٌ) بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهَا قَدْرُهَا صَاعٌ، وَفِي رِوَايَةٍ صَاعًا بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ فَرَضَ وَالصَّاعُ الْمَفْرُوضُ مُخْرَجٌ (عَنْ كُلِّ نَفْسٍ بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(وَ) الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ إنَّمَا (تُؤَدَّى مِنْ جُلِّ) أَيْ غَالِبِ (عَيْشِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ) الَّذِي الْمُزَكِّي مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ قُوتُهُمْ مِثْلَ قُوتِهِ أَوْ أَدْنَى أَوْ أَعْلَى، فَإِنْ كَانَ قُوتُهُ أَعْلَى مِنْ قُوتِهِمْ وَأَخْرَجَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ قُوتِهِمْ وَأَخْرَجَ مِنْهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِفَقْرٍ أَوْ عَادَةٍ كَأَهْلِ الْبَادِيَةِ فَإِنَّ عَادَتَهُمْ أَكْلُ الشَّعِيرِ بِالْحَاضِرَةِ مَلِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ أَجْزَأَهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ شُحًّا فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ اتِّفَاقًا، ثُمَّ فَسَّرَ الْجُلَّ الَّذِي تُؤَدَّى مِنْهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ بُرٍّ) وَهُوَ الْحِنْطَةُ (أَوْ شَعِيرٍ أَوْ سُلْتٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ تَقَدَّمَ أَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الشَّعِيرِ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ كَالْحِنْطَةِ (أَوْ تَمْرٍ أَوْ أَقِطٍ) بِفَتْحِ
ــ
[حاشية العدوي]
مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَتَعَلَّقُ وَمُقَابِلُهُ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا، فَإِنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا سَقَطَتْ عَنْهُ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. [قَوْلُهُ: بِمَنْ فَضَلَ إلَى آخِرِهِ] الْمُنَاسِبُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ: بِمَنْ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ فِي يَوْمِهِ صَاعٌ إنْ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَهُ صَاعٌ إنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ:
تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ دَارٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ كُتُبٌ يَحْتَاجُ لِذَلِكَ فَيَبِيعُهُ لِأَدَائِهَا. [قَوْلُهُ: وَوَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ] أَيْ حَيْثُ كَانَ يَرْجُو الْوَفَاءَ أَوْ يَعْلَمُ مَنْ يَتَسَلَّفُ مِنْهُ [قَوْلُهُ: صَاعٌ إلَخْ] وَالصَّاعُ الَّذِي لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ يَكْفِي الرَّجُلَ الَّذِي لَيْسَ بِعَظِيمِ السَّكْفِينِ وَلَا غَيْرِهِمَا، وَقَدْرُ الصَّاعِ بِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ قَدَحٌ وَثُلُثٌ كَمَا قَرَّرَهُ عج، فَعَلَى تَحْرِيرِهِ الرُّبْعُ الْمِصْرِيُّ يُجْزِئُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الصَّاعِ إذَا كَانَتْ مُحَقَّقَةً وَقُصِدَ بِهَا الِاسْتِظْهَارُ عَلَى الشَّارِعِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ لَا عَلَى أَنَّ الْأَجْزَاءَ يُتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَلَا كَرَاهَةَ.
[قَوْلُهُ: أَيْ غَالِبِ إلَخْ] هَلْ الْمُرَادُ عَيْشُ الْبَلَدِ فِي جَمِيعِ الْعَامِ أَوْ فِي خُصُوصِ رَمَضَانَ.
قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَكَانَ شَيْخُنَا يُعْجِبُهُ اعْتِبَارُهُ فِي خُصُوصِ رَمَضَانَ، لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِينَ فَيُعْتَبَرُ مَا يُؤْكَلُ فِيهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ] ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي الْعَادَةِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا فِيمَا إذَا اقْتَاتَ الْأَدْوَنَ لِفَقْرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُجْزِئُ بِاتِّفَاقٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ، وَذَكَرَ عج أَنَّهُ إذَا اقْتَاتَ الْأَدْنَى لِكَسْرِ نَفْسِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَعْلَى فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. [قَوْلُهُ: مِنْ بُرٍّ] اعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ خَمْسٌ أَحَدُهَا: وُجُودُ التِّسْعَةِ مَعَ اقْتِيَاتِ جَمِيعِهَا سَوِيَّةً فَيُخَيَّرُ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ أَيّهَا شَاءَ.
ثَانِيهَا: وُجُودُهَا مَعَ غَلَبَةِ اقْتِيَاتِ وَاحِدٍ مِنْهَا فَيَتَعَيَّنُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ.
ثَالِثُهَا: وُجُودُهَا أَوْ بَعْضِهَا مَعَ غَلَبَةِ اقْتِيَاتِ غَيْرِهَا فَيَجِبُ مِنْهَا تَخْيِيرًا إنْ تَعَدَّدَ، وَلَا يُنْظَرُ لِمَا كَانَ غَلَبًا قَبْلَ تَرْكِهَا وَوَاجِبًا إنْ انْفَرَدَ وَلَوْ اُقْتِيتَ نَادِرًا.
رَابِعُهَا: فَقْدُ جَمِيعِهَا مَعَ غَلَبَةِ اقْتِيَاتِ غَيْرِهَا فَمِمَّا غَلَبَ.
خَامِسُهَا: فَقْدُ جَمِيعِهَا مَعَ اقْتِيَاتِ غَيْرِهَا مِنْ مُتَعَدِّدٍ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةِ شَيْءٍ مِنْهُ فَيُخَيَّرُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَنَا فَيَتَعَيَّنُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْأَغْلَبِ أَيْ فَلَا يُجْزِئُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ غَيْرِ الْأَغْلَبِ إنْ كَانَ أَدْنَى، وَأَمَّا إنْ كَانَ أَعْلَى أَوْ مُسَاوِيًا فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَأَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَشَبَهِهِمَا مِقْدَارُ عَيْشِ الصَّاعِ مِنْ الْقَمْحِ كَذَا كَانَ يُفْتِي