للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ (سَبِيلًا) وَإِلَى الثَّانِي أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطُ وُجُوبٍ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْكُفْرُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِهِ، وَعَلَى الثَّانِي مَانِعٌ مِنْ صِحَّتِهِ، وَإِلَى الثَّالِثِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (الْأَحْرَارِ) لَا خِلَافَ فِي كَوْنِ الْحُرِّيَّةِ شَرْطَ وُجُوبٍ، فَالْعَبْدُ الْقِنُّ، وَمَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ بِأَزْوَاجِهِ وَلَمْ يَحُجَّ بِأُمِّ وَلَدِهِ، وَإِلَى الرَّابِعِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (الْبَالِغِينَ) وَلَا يَخْتَصُّ اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ بِالْحَجِّ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي سَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَالْخَامِسُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الشَّيْخُ وَهُوَ الْعَقْلُ وَهُوَ وَمَا قَبْلَهُ شَرْطَا وُجُوبٍ، فَلَوْ حَجَّ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ أَوْ الْعَبْدِ صَحَّ حَجُّهُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ

وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ.

دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسَّنَةُ وَالْإِجْمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] وَصَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ

ــ

[حاشية العدوي]

بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ إنَّمَا هُوَ فِي مَكَّةَ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: بِالْبَاءِ لُغَةً فِي مَكَّةَ] أَيْ لُغَةً فِي الْبَلَدِ الْمُسَمَّاةِ بِمَكَّةَ أَيْ أَنَّ الْبَلَدَ فِيهَا لُغَتَانِ أَيْ لَهَا لُغَتَانِ أَيْ اسْمَانِ، أَفَادَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلٍ لِأَنَّهُ الْبَاءُ وَالْمِيمُ يَتَعَاقَبَانِ وَهُوَ لُغَةُ مَازِنٍ وَغَيْرِهِمْ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَبُكُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ وَتُخْضِعُهَا مَا دَخَلَهَا مُتَجَبِّرٌ إلَّا وَخَضَعَ. [قَوْلُهُ: أَيْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ] وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى الْحَجِّ كَمَا فِي تت. [قَوْلُهُ: {سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧]] مَعْمُولُ اسْتَطَاعَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ سُلُوكِ سَبِيلٍ أَيْ طَرِيقٍ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمُسْتَطِيعِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحُجَّ بِأُمِّ وَلَدِهِ] أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْحَجِّ فَوْرًا، إذْ لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ عَلَى التَّرَاخِي لَمْ يَتِمَّ الْمُدَّعِي أَوْ يُقَالُ: إنَّ عَدَمَ حَجِّهِ بِأُمِّ وَلَدِهِ لِعُذْرٍ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى، فَانْطَبَقَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُدَّعِي.

[قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي سَائِرِ الطَّاعَاتِ] أَيْ فَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ مِنْ شُرُوطِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلِذَلِكَ لَا يَنْبَغِي عَدُّ الْإِسْلَامِ وَلَا الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَصَّانِ بِالْحَجِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرِّيَّةَ شَرْطٌ أَيْضًا فِي الزَّكَاةِ؟ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَقْلُ] فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِلِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ الْعَقْلُ وَمَا قَبْلَهُ أَيْ مِنْ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ شَرْطَا وُجُوبٍ. [قَوْلُهُ: غَيْرُ الْمُكَلَّفِ] أَيْ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ أَيْ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ رَضِيعٍ وَنَحْوِهِ مِنْ صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَمُطْبِقٍ لَا إنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانًا فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ إحْرَامُ غَيْرِهِ فَإِنْ خِيفَ عَلَى الْمَجْنُونِ خَاصَّةً الْفَوَاتُ فَكَالْمُطْبِقِ، وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا يُحْرِمُ عَنْهُ أَحَدٌ وَلَوْ خِيفَ الْفَوَاتُ، وَلَا يَصِحُّ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ أَنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْقُرْبِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِالصِّبَا لِدَوَامِهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَهُوَ مَنْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ فَإِنَّهُ الَّذِي يُحْرِمُ عَنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ مَعْلُومٌ فِي شُرُوحِ خَلِيلٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ الْإِسْلَامُ فَقَطْ وَشَرْطُ الْوُجُوبِ فَقَطْ الِاسْتِطَاعَةُ وَإِذْنُ وَلِيِّ السَّفِيهِ، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ مَعَ وُقُوعِهِ فَرْضًا الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَقْتَ الْإِحْرَامِ، وَشَرْطُ وُقُوعِهِ فَرْضًا فَقَطْ عَدَمُ نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ

[قَوْلُهُ: وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي] أَيْ التَّرَاخِي لِخَوْفِ الْفَوَاتِ وَخَوْفِ الْفَوَاتِ بِظَنِّ الْعَجْزِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ لِكَثْرَةِ الْمَرَضِ وَقِلَّتِهِ. وَقُرْبِ الْمَسَافَةِ وَبُعْدِهَا، وَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ بِالْفَوْرِيَّةِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ فَتَحَ مَكَّةَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَوَلَّى عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَيْهَا وَعَلَى الْحَجِّ بِالنَّاسِ، وَهُوَ أَوَّلُ أُمَرَاءِ الْحَجِّ ثُمَّ فِي التَّاسِعَةِ وَلَّى أَبَا بَكْرٍ فَحَجَّ بِهِمْ وَلَمْ يَحُجَّ إلَّا فِي الْعَاشِرِ مَعَ تَمَكُّنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ أَوَّلَ سَنَةٍ

[قَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧]] مَنْ اسْتَطَاعَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>