للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الزَّادُ الْمُبَلِّغُ) أَيْ الْمُوَصِّلُ (إلَى مَكَّةَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا مَا يُوَصِّلُهُ فَقَطْ وَهُوَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ، وَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ هُنَاكَ ضَاعَ وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُرَاعِي مَا يُبَلِّغُهُ، وَيَرْجِعُ بِهِ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِمَّا يُمَكِّنُهُ أَنْ يَتَعَيَّشَ فِيهِ وَاعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَيَبِيعُ فِي زَادِهِ دَارِهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ لَا مَالَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَخْشَى عَلَيْهِمْ الضَّيَاعَ فَلَا يَلْزَمُهُ (وَ) ثَالِثُهَا (الْقُوَّةُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ إمَّا رَاجِلًا) أَيْ مَاشِيًا (أَوْ رَاكِبًا) فَالْأَعْمَى إذَا وَجَدَ مَنْ يَقُودُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَشَقَّةٌ فَادِحَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ فَإِنْ حَصَلَ لَهُمَا مَشَقَّةٌ غَيْرُ مُعْتَادَةٍ

ــ

[حاشية العدوي]

سَقَطَ الْوُجُوبُ وَفِي غَيْرِ الْمُجْحِفِ قَوْلَانِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَجُّ إذَا كَانَ لَا يُجْحِفُ بِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ لَا يَنْكُثُ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَنْكُثُ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ سَقَطَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ فِي الشَّكِّ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ الْإِجْحَافُ بِهِ فَقَطْ نَظَرَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ لَا لِذَاتِ الْمَأْخُوذِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.

قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ: وَمِثْلُ النُّكُوثِ تَعَدُّدُ الظَّالِمِ، وَأَمَّا السَّارِقُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِالْحِرَاسَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَجُّ. [قَوْلُهُ: الزَّادُ الْمُبَلِّغُ إلَخْ] وَيَقُومُ مَقَامَهُ حِرْفَةٌ تَقُومُ بِهِ لَا تُزْرِي وَيَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ عَدَمَ كَسَادِهَا. [قَوْلُهُ: وَخَشِيَ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الْخَشْيَةُ الشَّامِلَةُ لِلشَّكِّ. [قَوْلُهُ: مِمَّا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَعَيَّشَ فِيهِ] أَيْ بِمَا لَا يُزْرِي بِهِ مِنْ الْحِرَفِ كَمَا فِي شَرْحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَيَبِيعُ فِي زَادِهِ دَارِهِ] أَيْ الَّتِي تُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَغَيْرَهَا مِمَّا بَاعَ عَلَيْهِ مِنْ مَاشِيَةٍ وَثِيَابٍ وَلَوْ لِجُمُعَتِهِ إنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهَا وَخَادِمَهُ وَكُتُبَ الْعِلْمِ وَلَوْ مُحْتَاجًا إلَيْهَا وَمُصْحَفًا وَآلَةَ الصَّانِعِ عَلَى أَحَدِ التَّرَدُّدَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ لَا مَالَ لَهُمْ] أَيْ فَلَا يُرَاعِي مَا يَؤُولُ إلَيْهِ أَمْرُهُ وَأَمْرُ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَ يَصِيرُ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا أَوْ يَتْرُكُ أَوْلَادَهُ وَنَحْوَهُمْ لِلصَّدَقَةِ إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا فِيمَا ذَكَرَ أَوْ شَدِيدَ أَذًى، وَهَذَا عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَخْشَى عَلَيْهِمْ الضَّيَاعَ، فَأَرَادَ الشَّارِحُ بِالضَّيَاعِ مَا يَشْمَلُ شِدَّةَ الْأَذَى. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ وَلَوْ خَشِيَ التَّطْلِيقَ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ مِنْ فِرَاقِهَا فِيهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا أَوْ كَانَتْ مَضَرَّةُ فِرَاقِهَا تَزِيدُ عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَزَبًا وَمَعَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَحُجُّ بِهِ أَوْ يَتَزَوَّجُ بِهِ فَإِنَّهُ يَحُجُّ مَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ، وَيَأْثَمُ إنْ تَزَوَّجَ وَلَا يَفْسَخُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَاشِيًا] أَيْ فَإِذَا كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَائِمًا مَقَامَ الرَّاحِلَةِ.

وَظَاهِرُ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ كَاللَّخْمِيِّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَشْيُ مُعْتَادًا لَهُ وَاشْتَرَطَ الْبَاجِيُّ اعْتِيَادَهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ رَاكِبًا] اعْلَمْ أَنَّ الرُّكُوبَ يَشْمَلُ رُكُوبَ السَّفِينَةِ فَالْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ عَطَبُهُ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا الشَّأْنِ أَوْ يَخَافُ أَنْ يَضِيعَ رُكْنُ صَلَاةٍ بِأَنْ يَخْشَى إذَا قَامَ أَدْرَكَهُ الْمَيْدُ أَيْ الدَّوْخَةُ فَلَا يَرْكَبُهُ، وَكَذَا إذَا خَافَ تَضْيِيعَ شَرْطٍ كَصَلَاتِهِ بِالنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَأَمَّا إذَا اسْتَوَى عَطَبُهُ وَسَلَامَتُهُ فَاَلَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ مِثْلُ مَا إذَا غَلَبَ عَطَبُهُ فَيَسْقُطُ الْحَجُّ بِهِ، وَاسْتَظْهَرَهُ عج أَيْ فَإِذَا نَدَرَ عَطَبُهُ فَيَجِبُ الْحَجُّ. [قَوْلُهُ: فَالْأَعْمَى إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْأَعْمَى الْقَادِرَ عَلَى الْمَشْيِ إذَا وَجَدَ قَائِدًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ يُوَصِّلُهُ، وَلَوْ كَانَ يُعْطِي ذَلِكَ الْقَائِدَ أُجْرَةً وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ تَقْيِيدُ الْأُجْرَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ لَا تُجْحِفَ بِهِ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْأَعْمَى بِالذَّكَرِ قَائِلًا: كَأَعْمَى أَيْ ذَكَرٍ وَيُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَشَقَّةٌ] قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَادِحَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ انْتِفَاؤُهَا جُمْلَةً وَإِلَّا سَقَطَ الْحَجُّ عَنْ غَالِبِ النَّاسِ الْمُسْتَطِيعِينَ إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَصْلِ الْمَشَقَّةِ، فَلَوْ تَكَلَّفَهُ مَنْ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ حَيْثُ كَانَ حُرًّا مُكَلَّفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>