للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ يُسْتَحَبُّ فِيهَا كَثْرَةُ الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ وَالتَّضَرُّعِ، وَإِخْلَاصِ الْقَلْبِ فَيُكْرَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ (يُعَاوِدُهَا) أَيْ التَّلْبِيَةَ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى ذَلِكَ (حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحُ إلَى مُصَلَّاهَا) مَا ذَكَرَهُ مِنْ ابْتِدَاءِ التَّلْبِيَةِ بَعْدَ تَمَامِ السَّعْيِ هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَمَشَى عَلَيْهَا ابْنُ الْحَاجِبِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِهِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَالرَّوَاحُ إلَى مُصَلَّاهَا هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَصَدَرَ بِهَا ابْنُ الْحَاجِبِ، وَرُوِيَ يَقْطَعُهَا عِنْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ اللَّخْمِيُّ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ

(وَيُسْتَحَبُّ) لِلْحَاجِّ أَوْ الْمُعْتَمِرِ، (أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءِ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَذَا وَالصَّحَابَةُ بَعْدَهُ، وَالسِّرُّ فِي هَذَا الدُّخُولِ أَنَّ نِسْبَةَ بَابِ الْبَيْتِ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ وَجْهِ الْإِنْسَانِ إلَيْهِ، وَأَمَاثِلُ النَّاسِ إنَّمَا يُقْصَدُونَ مِنْ جِهَةِ وُجُوهِهِمْ لَا مِنْ جِهَةِ ظُهُورِهِمْ، وَمَنْ أَتَى مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ لَمْ يَأْتِ مِنْ قُبَالَةِ الْبَابِ، وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُهَا نَهَارًا لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ، فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا يَطُوفُ فَإِنْ طَافَ فَلَا يَرْكَعُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ إذَا قَدِمَتْ نَهَارًا أَنْ تُؤَخِّرَ الطَّوَافَ إلَى اللَّيْلِ

(وَ) كَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ (إذَا خَرَجَ) مِنْ مَكَّةَ أَنْ (يَرْجِعَ مِنْ كُدًى) وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ

ــ

[حاشية العدوي]

لِفَوَاتِ الْحَجِّ، أَيْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَتَمَادَ عَلَيْهِ بَلْ فَاتَهُ بِحَصْرٍ أَوْ مَرَضٍ وَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُلَبِّي لِحَرَمِ مَكَّةَ، وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَالتَّنْعِيمِ فَإِنَّهُ يُلَبِّي إلَى دُخُولِ مَكَّةَ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُحْرِمَ مَكَّةَ بِالْحَجِّ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ وَيَنْتَهِي إلَى رَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ كَالْمُحْرِمِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ عَرَفَةَ فَلَا يَخْلُو الْحَالُ تَارَةً يُحْرِمُ بِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَتَارَةً قَبْلُ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُلَبِّي لِلزَّوَالِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهَا وَأَتَاهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَبَّى لَهَا ثُمَّ قَطَعَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَدَّهَا تَوَجُّهُهُ لِلْوُقُوفِ لَكِنَّ ظَاهِرَ النَّقْلِ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِالتَّلْبِيَةِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً تَكْفِي. [قَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ فِيهَا كَثْرَةُ الدُّعَاءِ] الْمُرَادُ زِيَادَةُ تَأَكُّدٍ اسْتِحْبَابِ الْكَثْرَةِ لِأَنَّ أَصْلَ الدُّعَاءِ مُسْتَحَبٌّ [قَوْلُهُ: وَالتَّضَرُّعُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ [قَوْلُهُ: وَإِخْلَاصُ الْقَلْبِ] عَطْفٌ عَلَى الدُّعَاءِ أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ مُخْلِصًا فِيمَا ذُكِرَ وَغَيْرُهُ إخْلَاصًا قَوِيًّا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، أَيْ قَاصِدًا امْتِثَالَ أَمْرِ رَبِّهِ لَا لِرِيَاءٍ وَلَا لِسُمْعَةٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِخْلَاصِ وَاجِبٌ.

[قَوْلُهُ: وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ لِأَشْهَبَ إذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ يُلَبِّي فِي السَّعْيِ [قَوْلُهُ: عِنْدَ الزَّوَالِ إلَخْ] أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ فَلَوْ وَصَلَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ لَبَّى لِلزَّوَالِ أَوْ زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ قَبْلَ وُصُولِهِ لَبَّى لِوُصُولِهِ، فَيُعْتَبَرُ الْأَقْصَى مِنْهُمَا وَمُصَلَّى عَرَفَةَ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ نَمِرَةَ [قَوْلُهُ: لِمَا فِي مُسْلِمٍ إلَخْ] اُنْظُرْ مَا جَوَابُ الْمَشْهُورِ عَنْ هَذَا الصَّحِيحِ.

[قَوْلُهُ: مِنْ كَدَاءٍ إلَخْ] إضَافَةُ كَدَاءٍ لِمَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ أَوْ أَنَّ مَا بَعْدَهُ عَطْفُ بَيَانٍ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: الثَّنِيَّةُ] أَيْ الطَّرِيقُ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَيُسَمُّونَهُ الْيَوْمَ بِبَابِ الْمُعَلَّى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الدَّاخِلِ أُتِيَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهَا [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُهَا نَهَارًا] أَيْ ضُحًى، فَقَدْ قَالَ سَيِّدِي زَرُّوقٌ: يُسْتَحَبُّ لِلْآتِي مَكَّةَ أَرْبَعٌ: نُزُولُهُ بِذِي طُوًى وَاغْتِسَالُهُ فِيهِ وَنُزُولُهُ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَمَبِيتُهُ بِالْوَادِي الْمَذْكُورِ فَيَأْتِي مَكَّةَ ضُحًى [قَوْلُهُ: حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ] أَيْ وَتَحِلُّ النَّافِلَةُ.

[قَوْلُهُ: خَرَجَ مِنْ كُدًى] وَيُعْرَفُ هَذَا الْمَحَلُّ الْيَوْمَ بِبَابِ شَيْبَةَ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَفِي ذَلِكَ مُنَاسَبَةٌ حَسَنَةٌ، بَابُ الدُّخُولِ كَدَاءٌ الْمَفْتُوحُ وَبَابُ الْخُرُوجِ كُدًى الْمَضْمُومُ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلدَّاخِلِ الْفَتْحُ وَلِلْخَارِجِ الضَّمُّ. [قَوْلُهُ: مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ] أَيْ كَائِنٌ مِنْ الْأَسْفَلِ أَنَّ بَعْضَ الْأَسْفَلِ [قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ الصَّحِيحُ مُسَلَّطٌ عَلَى كَدَاءٍ الْأَوَّلِ وَكُدًى الثَّانِي، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ هُوَ الْعَكْسُ وَعِبَارَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ كَدَاءُ الْأَوَّلُ مَفْتُوحُ الْكَافِ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِأَنَّهُ عَلَمٌ، وَالثَّانِي مَضْمُومُ الْكَافِ مُنَوَّنٌ مَقْصُورٌ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>