فَمَعْنَاهُ إبْرَامُ الْأَمْرِ وَتَنْفِيذُهُ وَقَضَاؤُهُ وَمِنْهَا. (الْقَدِيرُ) مُبَالَغَةً فِي الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ تَعَالَى مُتَعَلِّقَةٌ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ وَمِنْهَا (السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وَرَدَ بِهِمَا الْخَبَرُ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِمَا فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَامِعٌ لِكَلَامِهِ الْأَزَلِيِّ وَلِكَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ عِنْدَ وُجُودِهِمْ وَمِنْهَا (الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) قَالَ تَعَالَى {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: ١٢] لَيْسَ عُلُوُّهُ سُبْحَانَهُ عُلُوَّ جِهَةٍ وَلَا اخْتِصَاصٍ بِبُقْعَةٍ، وَلَا كَبِيرَ بِعِظَمِ جُثَّةٍ وَكِبَرِ بِنْيَةٍ، بَلْ الْعَلِيُّ وَصْفُهُ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهُ لِنُعُوتِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْمَلَكِ يَكُونُ كَذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَتَنْفِيذُهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَقَوْلُهُ: وَقَضَاؤُهُ مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ، فَيَكُونُ حَاصِلُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِتَمَامِ الْأَمْرِ وَحُصُولِهِ وَالْقَضَاءُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِتَفْسِيرِهِ، أَيْ الْقَضَاءُ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ صِفَةُ ذَاتٍ وَهِيَ إرَادَةُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقَةِ أَزَلًا، وَقِيلَ هُوَ عِلْمُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ أَزَلًا، وَلِلْإِرَادَةِ ثَلَاثُ تَعَلُّقَاتٍ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ: صُلُوحِيٌّ قَدِيمٌ، وَتَنْجِيزِيٌّ قَدِيمٌ وَتَنْجِيزِيٌّ حَادِثٌ، فَإِيمَانُ الْمُؤْمِنِ تَعَلَّقَتْ بِهِ الْإِرَادَةُ التَّعَلُّقَاتِ الثَّلَاثِ وَكُفْرُهُ تَعَلَّقَتْ بِهِ الصُّلُوحِيُّ دُونَ مَا عَدَاهُ مِنْ التَّنْجِيزِيِّينَ.
[قَوْلُهُ: مُبَالَغَةً فِي الْقُدْرَةِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ مُتَعَلِّقُهَا لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ مُبَالَغَةً فِي قَادِرٍ، أَيْ أَنَّ قَدِيرَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِنْ حَيْثُ كَثْرَةُ مُتَعَلِّقَاتِ قُدْرَتِهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّ قُدْرَتُهُ إلَخْ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ إنَّمَا وُصِفَ اللَّهُ بِالْقَدِيرِ الَّذِي هُوَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ إلَخْ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْنَى قَدِيرٍ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا قُدْرَةٌ كَثِيرَةُ الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَلَا نَقُولُ إنَّ الْمُبَالَغَةَ عِبَارَةٌ عَنْ أَنَّك تُثْبِتُ لِلشَّيْءِ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ مُسْتَحِقَّهُ، وَهَذَا مُحَالٌ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعْنِي بِالْمُبَالَغَةِ النَّحْوِيَّةِ وَهِيَ إفَادَةُ اللَّفْظِ أَكْثَرَ مِمَّا يُفِيدُهُ غَيْرُهُ لَا الْمُبَالَغَةِ الْبَيَانِيَّةِ، وَقُدْرَتُهُ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ يَتَأَتَّى بِهَا إيجَادُ كُلِّ مُمْكِنٍ وَإِعْدَامُهُ.
[قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقَةٌ] أَيْ تَعَلُّقًا صُلُوحِيًّا قَدِيمًا وَلَهَا تَعَلُّقٌ تَنْجِيزِيٌّ حَادِثٌ وَهُوَ تَعَلُّقُهَا بِوُجُودِ الْمَقْدُورِ وَقْتَ وُجُودِهِ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهَا إنْ تَعَلَّقَتْ بِوُجُودِهِ لَزِمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِعَدَمِهِ لَزِمَ قَلْبُ الْحَقِيقَةِ، وَلَا بِالْمُسْتَحِيلِ؛ لِأَنَّهَا إنْ تَعَلَّقَتْ بِوُجُودِهِ لَزِمَ قَلْبُ الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِعَدَمِهِ لَزِمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ.
[قَوْلُهُ: وَرَدَ بِهِمَا] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَرَدَ بِهِمَا الْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْقُرْآنَ لِظُهُورِهِ.
[قَوْلُهُ: وَلِكَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ] أَيْ وَلِلَفْظِ الْمَخْلُوقِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا بَلْ كَانَ كَلِمَةً، وَقَوْلُهُ: عِنْدَ وُجُودِهِمْ الْمُنَاسِبِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ نُطْقِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ لَا يَسْتَلْزِمُ كَلَامًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ سَمْعَهُ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ مُطْلَقًا حَادِثًا أَوْ قَدِيمًا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضٍ، وَالْحَقُّ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ مَوْجُودٍ، أَيْ فَسَمْعُهُ صِفَةٌ يَنْكَشِفُ بِهَا الْمَوْجُودُ عَلَى وَجْهٍ يَعْلَمُهُ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا، كَانَ شَأْنُهُ أَنْ يَسْمَعَ لَنَا أَوَّلًا فَذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ وَكَذَا ذَوَاتُنَا وَصِفَاتُنَا مَسْمُوعَةٌ لَهُ بِسَمْعِهِ عَلَى وَجْهٍ يَعْلَمُهُ هُوَ وَلَهُ تَعَلُّقٌ وَتَنْجِيزِيٌّ قَدِيمٌ، وَهُوَ تَعَلُّقُهُ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ أَزَلًا، وَصُلُوحِيٌّ قَدِيمٌ وَهُوَ تَعَلُّقُهُ بِذَوَاتِنَا وَصِفَاتِنَا أَزَلًا، وَتَنْجِيزِيٌّ حَادِثٌ وَهُوَ تَعَلُّقُهُ بِذَوَاتِنَا وَصِفَاتِنَا عِنْدَ وُجُودِنَا، وَكَذَا بَصَرُهُ صِفَةٌ تَتَعَلَّقُ بِكُلِّ مَوْجُودٍ عَلَى وَجْهِ الِاتِّضَاحِ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْوَاتِ أَوْ غَيْرِهَا، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْجُودَاتِ، وَلِكُلٍّ مِنْ التَّعَلُّقَيْنِ حَقِيقَةٌ تَخُصُّهُ يَعْلَمُهَا هُوَ، وَالْبَصَرُ مِثْلُ السَّمْعِ فِي التَّعَلُّقَاتِ الثَّلَاثِ.
[قَوْلُهُ: عُلُوَّ جِهَةٍ] أَيْ لَيْسَ عُلُوُّهُ عُلُوًّا مُلْتَبِسًا بِجِهَةٍ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ لِجِهَةِ الْفَوْقِ، [قَوْلُهُ: وَلَا اخْتِصَاصَ بِبُقْعَةٍ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَا اخْتِصَاصًا بِبُقْعَةٍ بِالتَّنْوِينِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عُلُوَّ جِهَةٍ، أَيْ لَيْسَ عُلُوُّهُ مُخْتَصًّا بِبُقْعَةٍ بِأَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْعَرْشِ مَثَلًا، وَهَذَا الْمَعْطُوفُ أَخَصُّ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ.
[قَوْلُهُ: وَلَا كَبِيرَ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَلَيْسَ كِبَرُهُ بِعِظَمِ جُثَّةٍ [قَوْلُهُ: كِبَرَ بِنْيَةٍ] مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ وَكَثْرَةَ بِنْيَةٍ، أَيْ وَكَثْرَةَ أَجْزَاءٍ، فِي الْقَامُوسِ الْبُنْيَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ مَا بَنَيْته تَأَمَّلْ.
[قَوْلُهُ: بَلْ الْعَلِيُّ وَصْفُهُ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَلْ الْعُلُوُّ، أَيْ الْمَأْخُوذُ مِنْ عَلَا وَصْفُهُ أَيْ صِفَتِهِ، [قَوْلُهُ: لِنُعُوتِ الْجَلَالِ] أَيْ أَوْصَافِ الْجَلَالِ، كَالْعَظِيمِ وَالْقَهَّارِ وَالْقَوِيِّ مِنْ كُلِّ وَصْفٍ، يَدُلُّ عَلَى السَّطْوَةِ