للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنًى كُلُّهَا مَحَلٌّ لِلنَّحْرِ إلَّا مَا وَرَاءَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَلَا يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ فِي ذَلِكَ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ صَلَاةُ عِيدٍ (ثُمَّ) إذَا فَرَغَ مِنْ النَّحْرِ (يَحْلِقُ) أَوْ يُقَصِّرُ إنْ كَانَ رَجُلًا لَمْ يُلَبِّدْ رَأْسَهُ وَلَمْ يَعْقِصُهُ أَمَّا إنْ لَبَّدَ أَوْ عَقَصَ فَالْحَلَّاقُ لَيْسَ إلَّا كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهَا التَّقْصِيرُ لَيْسَ إلَّا.

(ثُمَّ) بَعْدَ الْحِلَاقِ (يَأْتِي الْبَيْتَ) الْحَرَامَ (فَيُفِيضُ) أَيْ يَطُوفُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ آخِرُ أَرْكَانِ الْحَجِّ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي لَا تَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَيَحِلُّ بِهِ جَمِيعُ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ حَتَّى النِّسَاءَ وَالصَّيْدَ وَالطِّيبَ. أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِهِ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ إلَّا بِخُرُوجِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا قَدَّمْنَا. وَقَوْلُهُ: (وَيَطُوفُ سَبْعًا وَيَرْكَعُ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ فَيُفِيضُ وَلَا يَرْمُلُ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا يَسْعَى لِأَنَّهُ سَعْيٌ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُرَاهِقِ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَوْ التَّنْعِيمِ

ــ

[حاشية العدوي]

نَحْرُهُ فِي مِنًى أَجْزَأَهُ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ النَّحْرِ فِي مِنًى عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ إذْ قِيلَ بِالنَّدْبِ، وَأَمَّا لَوْ نَحَرَ فِي مِنًى مَا يُطْلَبُ نَحْرُهُ فِي مَكَّةَ فَلَا يُجْزِئُ. [قَوْلُهُ: فَالْحِلَاقُ لَيْسَ إلَّا] أَيْ يَجِبُ فِيهِمَا الْحِلَاقُ وَمِثْلُهُمَا الْمُضَفَّرُ وَالْمُلَبَّدُ هُوَ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَيْهِ الصَّمْغُ وَالْغَاسُولُ، وَلَا بُدَّ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ كُلِّهِ فَبَعْضُهُ كَالْعَدَمِ وَمَنْ بِرَأْسِهِ وَجَعٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِلَاقِ أَهْدَى فَإِنْ صَحَّ.

فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ كَمَا فِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ابْنُ عَرَفَةَ: وَحَلْقُ مُتَعَذِّرِ التَّقْصِيرِ لِقِلَّتِهِ أَوْ ذِي تَلْبِيدٍ أَوْ ضَفْرٍ أَوْ عَقْصٍ مُتَعَيِّنٍ، وَحَلْقِ غَيْرِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي الْحَجِّ. ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ.

[قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً] أَيْ بِنْتُ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ تِسْعٍ، أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَحْلِقَ بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَحْلِقَ رَأْسَهَا لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ بِهِنَّ، نَعَمْ إنْ كَانَ بِرَأْسِهَا أَذًى فَإِنَّهَا تَحْلِقُ لِأَنَّهُ صَلَاحٌ لَهَا، فَإِنْ لَبَّدَتْ شَعْرَهَا فَإِنَّهَا تُقَصِّرُهُ بَعْدَ زَوَالِ تَلْبِيدِهِ بِالْأَمْشَاطِ وَنَحْوِهَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ: فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهَا. مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا هُوَ لَا أَنَّهُ فِي حَقِّهَا سُنَّةٌ، وَلَهَا أَنْ تَفْعَلَ غَيْرَهُ وَصِفَةُ التَّقْصِيرِ مُخْتَلِفَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، فَالْمَرْأَةُ تَأْخُذُ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهَا قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ وَفَوْقَهَا بِيَسِيرٍ أَوْ دُونَهَا مِنْ جَمِيعِ الشَّعْرِ طَوِيلِهِ وَقَصِيرِهِ، وَيَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ مِنْ قُرْبِ أَصْلِهِ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ أَطْرَافِهِ أَخْطَأَ أَيْ خَالَفَ الْمَنْدُوبَ وَأَجْزَأَهُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَخَذَ قَدْرَ مَا تَأْخُذُهُ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا، وَانْظُرْ مَا يَفْعَلُ مَنْ يُبْقِي بَعْضَ رَأْسِهِ وَيَحْلِقُ بَاقِيَهُ كَشُبَّانِ مِصْرَ وَنَحْوِهِمْ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَلْقُ مَا أَبْقَى مِنْ الشَّعْرِ مَعَ حَلْقِ غَيْرِهِ أَوْ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ مَا يَحْلِقَ وَيُقَصِّرَ فِيمَا أَبْقَاهُ مِنْ الشَّعْرِ وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ ابْنُ عَرَفَةَ مَعَ الْكَرَاهَةِ؟ وَلَعَلَّ إذَا كَانَ إبْقَاؤُهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ قَبِيحٌ وَإِلَّا وَجَبَ حَلْقُهُ حَتَّى فِي غَيْرِ النُّسُكِ كَذَا فِي شَرْحِ الزَّرْقَانِيُّ.

[قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ أَشْيَاءَ مُرَتَّبَةً الرَّمْيُ فَالنَّحْرُ فَالْحَلْقُ فَالطَّوَافُ، لَكِنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ فِي مِنًى وَالرَّابِعُ فِي مَكَّةَ لَكِنْ حُكْمُ هَذَا التَّرْتِيبِ مُخْتَلِفٌ فَتَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى الْحَلْقِ وَعَلَى الْإِفَاضَةِ وَاجِبٌ، فَإِنْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ قَبْلَهُ لَزِمَهُ دَمٌ بِخِلَافِ تَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الرَّمْيِ أَوْ تَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَنْ الذَّبْحِ فَمَنْدُوبٌ كَتَأْخِيرِ الْإِفَاضَةِ عَنْ الذَّبْحِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ أَوْ أَفَاضَ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ الْحَلْقِ أَوْ قَبْلَهُمَا مَعًا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ آخِرُ أَرْكَانِ الْحَجِّ] وَهُوَ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ لِقُرْبِهِ مِنْ الْبَيْتِ، وَلَا يُشْكِلُ بِالْحَجِّ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ فَوَاتِ الْحَجِّ بِفَوَاتِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَمَحِلُّ كَوْنِهِ آخِرَ إلَخْ أَيْ لِمَنْ قَدَّمَ السَّعْيَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بَاقِيًا لَكَانَ السَّعْيُ هُوَ الْآخِرُ [قَوْلُهُ: إلَّا بِخُرُوجِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ إذَا أَخَّرَهُ لِحَادِي عَشَرَةَ يَلْزَمُهُ دَمٌ. [قَوْلُهُ: هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُرَاهِقِ] أَيْ وَأَمَّا الْمُرَاهِقُ أَيْ الَّذِي ضَاقَ عَلَيْهِ الزَّمَنُ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ فَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ نَدْبًا وَقَوْلُهُ: وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْمُرَاهِقِ أَيْ وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَوْ التَّنْعِيمِ فَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ هَذَا مَعْنَى عِبَارَتِهِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>