قَالَ لَهُ
: وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْعُمْرَةِ فَمَا هِيَ؟ فَقَالَ: (وَالْعُمْرَةُ يَفْعَلُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا إلَى تَمَامِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أُخِذَ مِنْهُ أَنَّ أَرْكَانَهَا ثَلَاثَةٌ: الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَأَنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِهَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ أَوْ لَا.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (ثُمَّ يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ) أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتِمُّ حَتَّى يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: تَتِمُّ عُمْرَتُهُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَأَمَّا الْحِلَاقُ فَمِنْ شُرُوطِ الْكَمَالِ (وَالْحِلَاقُ أَفْضَلُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) مِنْ التَّقْصِيرِ فَإِنْ كَانَ فِي حَجٍّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بِمِنًى، وَلَا يَتِمُّ نُسُكُ الْحِلَاقِ إلَّا بِجَمِيعِ الرَّأْسِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِذَا بَدَأَ بِالْحِلَاقِ بَدَأَ بِالْيَمِينِ وَيَبْلُغُ بِالْحِلَاقِ وَبِالتَّقْصِيرِ إلَى عَظْمِ الصُّدْغَيْنِ مُنْتَهَى طَرَفِ اللِّحْيَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الْحَلْقِ فَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ جَمَّةٌ وَهُوَ غَيْرُ مُعَقِّصٍ وَلَا مُلَبِّدٍ وَلَا مُضَفِّرٍ، وَالْمُعَقِّصُ هُوَ الَّذِي يَفْتِلُ شَعْرَهُ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَيُرْخِيهِ إلَى نَاحِيَةِ قَفَاهُ، وَالْمُضَفِّرُ هُوَ الَّذِي يَفْتِلُهُ ضَفَائِرَ، وَالْمُلَبِّدُ هُوَ الَّذِي يَجْعَلُ عَلَيْهِ الصَّمْغَ وَالْغَاسُولَ فَهَؤُلَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَلْقُ وَلَا
ــ
[حاشية العدوي]
يَتَوَارَى عَنْ الْبَيْتِ كَمَا تَفْعَلُهُ الْأَعَاجِمُ عِنْدَ الِانْصِرَافِ مِنْ حَضْرَةِ عَظِيمٍ إذْ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ، وَلَا يُوَدِّعُ الْمَكِّيُّ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ وَلَا مُتَوَطِّنٌ بِمَكَّةَ، وَمَنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ أَوْ الْعُمْرَةِ وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ فَلَا يُطْلَبُ بِوَدَاعٍ.
[قَوْلُهُ: كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا] أَيْ فِعْلًا مُمَاثِلًا لِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا أَيْ بِأَنْ يَتَجَرَّدَ وَيَغْتَسِلَ وَيَلْبَسَ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ وَالنَّعْلَيْنِ وَيُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ أَوْ مَشَى يُحْرِمُ مَعَ الْقَوْمِ أَوْ الْفِعْلِ وَيَمْضِي فِي أَفْعَالِهَا [قَوْلُهُ: إلَى تَمَامِ السَّعْيِ] لِأَنَّ أَرْكَانَهَا الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَلَهَا مِيقَاتَانِ زَمَانِيٌّ وَمَكَانِيٌّ كَالْحَجِّ، فَالزَّمَانِيُّ الْوَقْتُ كُلُّهُ وَلَوْ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ عَرَفَةَ، وَأَمَّا مِيقَاتُهَا الْمَكَانِيُّ فَهُوَ الْحِلُّ سَوَاءٌ كَانَ آفَاقِيًّا أَوْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ
[قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْحِلَاقُ فَمِنْ شُرُوطِ الْكَمَالِ] أَيْ لَيْسَ شَرْطَ صِحَّةٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَمَامِ الْعُمْرَةِ كَمَالُهَا فَلَا يُنَافِي تَمَامَهَا بِالْفَرَاغِ مِنْ طَوَافِهَا وَسَعْيِهَا [قَوْلُهُ: فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّ التَّقْصِيرَ فِي عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ أَفْضَلُ لِاسْتِبْقَاءِ الشَّعَثِ لِلْحَجِّ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ، قُلْت: قَيْدُهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنْ يَقْرُبَ وَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي النَّذْرِ [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فِي حَجٍّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بِمِنًى] قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَالْحِلَاقُ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَفْضَلُ وَإِنْ حَلَقَ بِمَكَّةَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ أَيَّامَ مِنًى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَأَهْدَى اهـ. التُّونُسِيُّ: قَوْلُهُ أَخَّرَ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ بَلَدَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ يُرِيدُ أَوْ طَالَ ذَلِكَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: بَدَأَ بِالْيَمِينِ] أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: مُنْتَهَى طَرَفِ اللِّحْيَةِ] كَذَا فِي التَّحْقِيقِ بِدُونِ وَاوٍ بَدَلٌ مِنْ عَظْمِ الصُّدْغَيْنِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ عَظْمَ الصُّدْغَيْنِ انْتِهَاءُ طَرَفَيْ اللِّحْيَةِ أَيْ مَوْضِعِ انْتِهَاءِ طَرَفَيْ اللِّحْيَةِ، وَإِضَافَةِ انْتِهَاءِ إلَى مَا بَعْدَهُ إمَّا حَقِيقِيَّةً أَوْ لِلْبَيَانِ فَأَرَادَ بِالِانْتِهَاءِ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ وَفِي كَلَامِهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ شَعْرَ الصُّدْغَيْنِ مِنْ اللِّحْيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ يُمْسَحُ مَعَ الرَّأْسِ [قَوْلُهُ: جَمَّةٌ إلَخْ] الْجَمَّةُ الشَّعْرُ الَّذِي يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ، وَاللُّمَّةُ الشَّعْر يَلُمُّ بِالْمَنْكِبِ أَيْ يَقْرُبُ، وَالْوَفْرَةُ الشَّعْرُ إلَى الْأُذُنَيْنِ لِأَنَّهُ وَفْرٌ عَلَى الْأُذُنِ، أَيْ تَمَّ عَلَيْهَا وَاجْتَمَعَ، أَفَادَ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ إذَا عَلِمْته فَنَقُولُ: أَرَادَ بِالْجَمَّةِ هُنَا مَا يَشْمَلُ اللُّمَّةَ وَالْوَفْرَةَ.
[قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَفْسِيرًا لِلشَّعْرِ الْمُعَقَّصِ، إنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ لِلشَّخْصِ الَّذِي يَعْقِصُ. فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الْمُعَقَّصُ هُوَ الْمَفْتُولُ أَيْ كَمَا يُفْتَلُ الْحَبْلُ. وَقَوْلُهُ: فِي مَكَان وَاحِدٍ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فَتْلَهُ كُلَّهُ كَالْحَبْلِ الْوَاحِدِ وَيَكُونُ مُحْتَرَزُهُ فَتْلُهُ فِي مَكَانَيْنِ أَيْ جَعْلُهُ كَحَبْلَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ قَصْدُهُ الِاحْتِرَازَ بَلْ قَصْدُهُ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: وَيُرْخِيهِ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الشَّأْنَ هَكَذَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَوْ أَرْخَاهُ إلَى غَيْرِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي يَفْتِلُهُ ضَفَائِرَ] أَنَّهُ كَالْخُوصِ أَيْ أَوْ وَضَفِيرَةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَهُ مُضَفَّرًا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْفَتْلِ فَفِي هَذَا التَّفْسِيرِ تَجَوُّزٌ وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْصَ خِلَافُ الضَّفْرِ، وَيُطْلَقُ الْعَقْصُ وَيُرَادُ بِهِ الضَّفْرُ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: عَقَصْته ضَفَّرْته. [قَوْلُهُ: الصَّمْغُ وَالْغَاسُولُ] أَيْ يَجْعَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute