أَرْكَانِهَا كَالْحَجِّ.
وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
قَالَ ع: وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا فَمَنْ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ثُمَّ اعْتَمَرَ أَيْضًا فِي الْمُحَرَّمِ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَمَرَ فِي السُّنَّةِ الثَّانِيَةِ، وَالْعُمْرَةُ تَجُوزُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَّا لِحَاجٍّ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَمِرُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ مِنًى، وَلَوْ كَانَ قَدْ تَعَجَّلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ مِنًى انْتَهَى.
(وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ انْصَرَفَ مِنْ مَكَّةَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنْ يَقُولَ آيِبُونَ تَائِبُونَ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْ أَفْعَالٍ مَذْمُومَةٍ إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ (عَابِدُونَ لِرَبِّنَا) بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْنَا (حَامِدُونَ) لَهُ عَلَى ذَلِكَ (صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ) لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ النَّصْرِ وَإِنْجَازِ الْوَعْدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: ٢٧] (وَنَصَرَ عَبْدَهُ) مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) سُبْحَانَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
بِالنِّسْبَةِ لِلْآفَاقِيِّ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بِمَكَّةَ فَتَفْتَرِقُ الْعُمْرَةُ مِنْ الْحَجِّ فِي الْمِيقَاتِ
[قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ] أَيْ وَيُنْدَبُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَرَّةِ لَكِنْ فِي عَامٍ آخَرَ وَمَحَلُّ التَّكْرَارِ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ دُخُولُ مَكَّةَ مِنْ مَوْضِعٍ عَلَيْهِ فِيهِ الْإِحْرَامُ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْحَجِّ وَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُكَرِّرْهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ جَوَازِ التَّكْرَارِ، بَلْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِثَانِيَةٍ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ إجْمَاعًا قَالَهُ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ.
[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَعْتَمِرُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ مِنْ أَيَّامِ مِنًى] وَهُوَ رَابِعُ النَّحْرِ فَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ جَمِيعِ الرَّمْيِ وَمِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا وَيَنْعَقِدُ، إلَّا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ فِعْلِهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الْحَجِّ قَالَ مُحَمَّدٌ: فَإِنْ جَهِلَ فَأَحْرَمَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَدْ كَانَ تَعَجَّلَ أَوْ لَمْ يَتَعَجَّلْ وَقَدْ رَمَى فِي يَوْمِهِ فَإِنَّ إحْرَامَهُ يَلْزَمُهُ وَلَكِنْ لَا يَطُوفُ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ وَطَوَافُهُ قَبْلَ ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ أَنْ طَافَ وَسَعَى أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ وَلْيَقْضِهَا بَعْدَ تَمَامِهَا وَيُهْدِي.
قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَيَكُونُ خَارِجَ الْحَرَمِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ وَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ لِأَنَّ دُخُولَهُ الْحَرَمَ سَبَبُ عَمَلِهَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الرَّمْيِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهَا وَقَدْ فَعَلَ أَمْرًا مَمْنُوعًا مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ قَدْ تَعَجَّلَ] أَتَى بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ
[قَوْلُهُ: لِمَنْ انْصَرَفَ مِنْ مَكَّةَ إلَخْ] وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي قَوْلِهِ: صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، أَيْ مِنْ إنْجَازِ الْوَعْدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ} [الفتح: ٢٧] إلَخْ.
[قَوْلُهُ: آيِبُونَ إلَخْ] بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ نَحْنُ آيِبُونَ جَمْعُ آيِبٍ بِوَزْنِ رَاجِعٍ. [قَوْلُهُ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ] وَقِيلَ مَعْنَى آيِبُونَ مِنْ الْإِيَابِ، أَيْ رَاجِعُونَ بِالْمَوْتِ إلَى اللَّهِ وَقَوْلُهُ تَائِبُونَ، أَيْ إلَى اللَّهِ مِنْ الذُّنُوبِ. [قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ] أَيْ فَصِلَةُ حَامِدُونَ مَحْذُوفَةٌ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ آيِبُونَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ] أَيْ فِي وَعْدِهِ وَأَرَادَ بِهِ مَا وَعَدَهُ بِهِ لِإِتْيَانِهِ بِمِنْ الْبَيَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ مِنْ النَّصْرِ أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: ٣] جَمْعُ حِزْبٍ وَالْحِزْبُ الطَّائِفَةُ مِنْ النَّاسِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَحْدَهُ] أَيْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَلَا سَبَبَ مِنْ جِهَتِهِمْ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ أَيْ مِنْ فَاعِلِ نَصَرَ أَوْ هَزَمَ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مُتَنَازَعًا فِيهِ بِهِمَا لِأَنَّ التَّنَازُعَ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُهْمَلَ يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ فِي ضَمِيرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَيَلْزَمُ وُقُوعُ الضَّمِيرِ حَالًا، وَالضَّمِيرِ مَعْرِفَةً وَالْحَالِ نَكِرَةً. خَاتِمَةٌ:
الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ، قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَبُولُ وَمِنْ عَلَامَةِ الْمَقْبُولِ أَنْ يَزْدَادَ الشَّخْصُ بَعْدَ