للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَنَزَلُوا بِالْمَدِينَةِ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ رِيحَ الصَّبَا وَهُوَ الرِّيحُ الشَّرْقِيُّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» . وَهُوَ الرِّيحُ الْغَرْبِيُّ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ قَوْلُ هَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُهُ إذَا انْصَرَفَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ.

ــ

[حاشية العدوي]

فِعْلِهِ خَيْرًا قَالَ الشَّيْخُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَجَّ يُسْقِطُ الصَّغَائِرَ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْكَبَائِرُ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَافِظُ وَالْأَبِيُّ، وَأَمَّا التَّبِعَاتُ كَالْغَيْبَةِ وَالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ فَعِنْدَ الْحَافِظِ تَسْقُطُ وَعِنْدَ الْقَرَافِيُّ لَا، وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْمُتَرَتِّبَةُ فِي الذِّمَّةِ، وَالْكَفَّارَاتُ، وَالدُّيُونُ، وَالْوَدَائِعُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِلْغَيْرِ فَلَا تَسْقُطُ بِحَجٍّ وَلَا بِغَيْرِهِ، بِإِجْمَاعِ الشُّيُوخِ نَعَمْ، إذَا عَجَزَ عَنْ اسْتِحْلَالِ الْمُسْتَحَقِّ بِمَوْتِهِ أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْهُ فَلْيَلْجَأْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُرْجَى مِنْ كَرْمِهِ أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: الْمُشْرِكِينَ] مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ وَمَعَهُمْ الْيَهُودُ مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ فَظَهَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْأَحْزَابُ الَّذِي هُوَ جَمْعُ حِزْبٍ بِمَعْنَى الطَّائِفَةِ.

[قَوْلُهُ: فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ رِيحَ الصَّبَا] بَارِدَةً فِي لَيْلَةٍ شَاتِيَةٍ فَسَفَّتْ التُّرَابَ فِي وُجُوهِهِمْ، وَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحَ الصَّبَا وَالْمَلَائِكَةَ، أَيْ فَنَصَرَهُ بِالْأَمْرَيْنِ فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَقَلَّعَتْ الْأَوْتَادَ وَقَطَّعَتْ الْأَطْنَابَ وَأَطْفَأَتْ النِّيرَانَ وَأَكْفَأَتْ الْقُدُورَ وَهَاجَتْ الْخَيْلُ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ وَكَبَّرَتْ الْمَلَائِكَةُ فَانْهَزَمُوا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ.

فَائِدَةٌ:

قَالَ الثَّعَالِبِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ مَسَاكِنَ الرِّيَاحِ تَحْتَ أَجْنِحَةِ الْكُرُوبِيِّينَ حَمَلَةِ الْعَرْشِ فَتَهِيجُ مِنْ ثَمَّ فَتَقَعُ بِعَجَلَةِ الشَّمْسِ فَتُعِينُ الْمَلَائِكَةَ عَلَى جَرِّهَا ثُمَّ تَهِيجُ مِنْ عَجَلَةِ الشَّمْسِ فَتَقَعُ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ تَهِيجُ مِنْ الْبَحْرِ فَتَقَعُ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ ثُمَّ تَهِيجُ فَتَقَعُ فِي الْبَرِّ، فَأَمَّا الشِّمَالُ فَإِنَّهَا تَمُرُّ بِجَنَّةِ عَدْنٍ فَتَأْخُذَ مِنْ عَرْفِ طِيبِهَا فَتَمُرُّ عَلَى أَرْوَاحِ الصِّدِّيقِينَ وَحَدُّهَا مِنْ كُرْسِيِّ بَنَاتِ نَعْشٍ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ.

وَأَمَّا الدَّبُورُ فَحَدُّهَا مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ إلَى مَطْلِعِ سُهَيْلٍ، وَأَمَّا الْجَنُوبُ فَحَدُّهَا مِنْ مَطْلِعِ سُهَيْلٍ إلَى مَطْلِعِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا الصَّبَا فَحَدُّهَا مِنْ مَطْلِعِ الشَّمْسِ إلَى كُرْسِيِّ بَنَاتِ نَعْشٍ فَلَا تَدْخُلُ رِيحٌ عَلَى أُخْرَى فِي حَدِّهَا وَمَا بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ فَهِيَ نَكْبَاءُ وَالْجَنُوبُ مِنْ رِيحِ الْجَنَّةِ، وَفِيهَا مَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَالشِّمَالُ مِنْ النَّارِ تَخْرُجُ فَتَمُرُّ بِالْجَنَّةِ فَتُصِيبُهَا نَفْحَةٌ مِنْهَا فَبَرْدُهَا مِنْ الْجَنَّةِ، وَفِي الْحَدِيثِ لَوْ حُبِسَتْ الرِّيحُ عَنْ النَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَأَنْتَنَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّبِيَّ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ «آيِبُونَ تَائِبُونَ» فِيهِ إشَارَةٌ إلَى التَّقْصِيرِ فِي الْعِبَادَةِ، وَقَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَاضُعًا أَوْ تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ أَوْ الْمُرَادُ أُمَّتُهُ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ التَّوْبَةُ لِإِرَادَةِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الطَّاعَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ. [قَوْلُهُ: أَوْ حَجٌّ] لَا يَخْفَى أَنَّ تَحَزُّبَ الْمُشْرِكِينَ كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَحَجَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>