مُخَالَفَةً لِلْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَكْسِرُونَ عِظَامَهَا مَخَافَةَ مَا يُصِيبُ الْوَلَدَ، وَقِيلَ: لَيْسَ الْكَسْرُ مَسْنُونًا وَلَا مُسْتَحَبًّا، وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ.
(وَإِنْ حَلَقَ شَعْرَ الْمَوْلُودِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَتَصَدَّقَ بِوَزْنِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ) عَلَى الْمَشْهُورِ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ بِكَبْشٍ، وَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً قَالَ: فَوَزَنَّاهُ فَكَانَ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ» .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَلْقُ قَبْلَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ. وَقَوْلُهُ: (حَسَنٌ) تَأْكِيدٌ فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ هُوَ الْحَسَنُ وَالْحَسَنُ هُوَ الْمُسْتَحَبُّ، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمَّى يَوْمَ سَابِعِهِ إنْ عُقَّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ سُمِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْعَقِيقَةِ فَفِي تَسْمِيَتِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
يَصْنَعُ بِهَا طَعَامًا] أَيْ يُكْرَهُ عَمَلُهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا وَلِيمَةً وَعَلَّلَهُ تت بِقَوْلِهِ لِمُخَالَفَةِ السَّلَفِ وَخَوْفِ الْمُبَاهَاةِ وَالتَّفَاخُرِ، بَلْ يَطْبُخُ وَيَأْكُلُ مِنْهَا أَهْلُ الْبَيْتِ وَالْجِيرَانُ وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَلَا بَأْسَ بِالْإِطْعَامِ مِنْ لَحْمِهَا نِيئًا وَلَا بِالِادِّخَارِ مِنْهَا كَالْأُضْحِيَّةِ اهـ.
وَأَمَّا جَعْلُ غَيْرِهَا وَلِيمَةً وَذَبْحُهَا أَوْ نَحْرُهَا وَيَصْنَعُ بِهَا صُنْعَ الْعَقِيقَةِ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: عَقَقْت عَنْ وَلَدِي فَذَبَحْت بِاللَّيْلِ مَا أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ إلَيْهِ إخْوَانِي وَغَيْرَهُمْ، ثُمَّ ذَبَحْت شَاةَ الْعَقِيقَةِ فَأَهْدَيْت مِنْهَا لِلْجِيرَانِ فَأَكَلُوا وَأَكَلْنَا فَمَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلْيَفْعَلْ مِثْلَ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ الْجَوَازُ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
تَتِمَّةٌ:
يَحْرُمُ الْمُعَاوَضَةُ بِهَا كَسَائِرِ الْقُرَبِ فَلَا يُبَاعُ جِلْدُهَا وَلَا شَيْءٌ مِنْ لَحْمِهَا، وَلَا يُعْطَى الْجَزَّارُ مِنْهَا فِي نَظِيرِ جِزَارَتِهِ، وَلَا الْقَابِلَةُ فِي مُقَابَلَةِ وِلَادَةِ الْمَرْأَةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ.
[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَكْسِرُونَ عِظَامَهَا] وَإِنَّمَا كَانُوا يَقْطَعُونَهَا مِنْ الْمَفَاصِلِ [قَوْلُهُ: وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ] أَيْ فَيُبَاحُ عِنْدَهُ كَسْرُ عِظَامِهَا وَهُوَ الرَّاجِحُ.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَقَ إلَخْ] وَانْظُرْ إذَا أَرَادُوا أَنْ يَتَحَرَّوْا وَزْنَ شَعْرِهِ مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ هَلْ يُنْدَبُ لَهُمْ التَّصَدُّقَ بِهِ أَمْ لَا.
[قَوْلُهُ: مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ الذَّهَبَ أَوْلَى لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ قِيلَ: يُكْرَهُ التَّصَدُّقُ بِزِنَةِ شَعْرِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَقِيلَ: يُبَاحُ. [قَوْلُهُ: عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ بِكَبْشٍ] عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ كَبْشًا وَعَنْ الْحُسَيْنِ كَبْشًا» .
قَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ: وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي الْمُوَطَّأِ، وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً انْتَهَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ وُلِدُوا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ شَارِحُ الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَتَصَدَّقَتْ إلَخْ يُحْتَمَلُ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَمَرَهَا فِي الْحَسَنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا قَاسَتْ ذَلِكَ عَلَى أَمْرِهِ لَهَا فِي الْحَسَنِ بِكْرِهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَهْلُ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ مَا فَعَلْته فَاطِمَةُ مَعَ الْعَقِيقَةِ أَوْ دُونَهَا.
[قَوْلُهُ: قَالَ] أَيْ عَلِيٌّ [قَوْلُهُ: وَبَعْضُ دِرْهَمٍ] شَكٌّ مِنْ عَلِيٍّ.
[قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَلْقُ قَبْلَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ] وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ التَّصَدُّقُ قَبْلَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ وَعِبَارَةُ بَعْضٍ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ أَيْ التَّصَدُّقُ فِي سَابِعِ الْوِلَادَةِ قَبْلَ الْعَقِّ عَنْهُ كَانَ الْمَوْلُودُ ذَكَرًا أَوْ أُثْنَى انْتَهَى.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الذَّهَبَ أَوْلَى وَيَكُونُ اقْتِصَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفِضَّةِ لِكَوْنِهَا الْمُتَيَسِّرَةَ، وَانْظُرْ لَوْ كَانُوا يَتَعَاطَوْنَ غَيْرَهُمَا فِي الْمُعَامَلَةِ هَلْ يُنْدَبُ لَهُمْ التَّصَدُّقُ بِزِنَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ أَوْ التَّصَدُّقُ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ بِمَا يُوَازِنُ قِيمَتَهُ أَنْ لَوْ بِيعَ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ شَعْرُ الْمَوْلُودِ.
[قَوْلُهُ: إنْ عَقَّ عَنْهُ] أَيْ إنْ أُرِيدَ الْعَقُّ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْعَقَّ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: سُمِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ] قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ وُجُوبُ التَّسْمِيَةِ وَحِينَئِذٍ، فَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ سُمِّيَ قَبْلَ طَلَبِ التَّسْمِيَةِ قِيلَ: وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَيَكُونُ نَدْبًا، فِيمَا يَظْهَرُ وَهُوَ يُصَدَّقُ بِيَوْمِ الْوِلَادَةِ. وَرَمَا بَعْدَهُ، وَلَعَلَّ الْمُبَادَرَةَ بِهَا حِينَئِذٍ يَوْمَ الْوِلَادَةِ أَوْلَى وَمَصَبُّ النَّدْبِ الْقَيْدُ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ بِوُجُوبِ التَّسْمِيَةِ، وَلَمْ يُفْصِحْ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ بِهَذَا الْقَدْرِ فَقَدْ قَالَ: وَيَنْبَغِي إذَا كَانَ الْمَوْلُودُ مِمَّنْ يُعَقُّ عَنْهُ فَلَا يُوقِعُ عَلَيْهِ الِاسْمَ