للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قِسْمَانِ: فَرْضُ عَيْنٍ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ، فَيَتَعَيَّنُ لِفَكِّ الْأُسَارَى، وَبِالنَّذْرِ وَبِاسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ، وَبِفِجَاءِ الْعَدُوِّ مَحَلَّةَ قَوْمٍ عَلَى مَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ. فِي بَابِ جُمَلٍ وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَالْجِهَادُ فَرِيضَةٌ يَحْمِلُهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ٩٥] إلَى قَوْلِهِ {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: ٩٥] فَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَعْيَانِ لَمَا وَعَدَ اللَّهُ الْقَاعِدِينَ بِالْحُسْنَى، وَتَوَاتَرَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ قَوْمًا دُونَ آخَرِينَ.

(وَأَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ الْمَالِكِيَّةِ (أَنْ لَا يُقَاتَلَ الْعَدُوُّ حَتَّى يُدْعَوْا إلَى دِينِ اللَّهِ) وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ (إلَّا أَنْ يُعَاجِلُونَا) أَيْ يُبَادِرُونَا بِالْقِتَالِ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ حِينَئِذٍ لَا تُسْتَحَبُّ، بَلْ يَجِبُ قِتَالُهُمْ وَتَسْقُطُ الدَّعْوَةُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تُؤَدِّي إلَى اسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا مَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ

ــ

[حاشية العدوي]

لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ الثَّبَاتُ عِنْدَ الزَّحْفِ.

[قَوْلُهُ: فَيَتَعَيَّنُ لِفَكِّ الْأُسَارَى] أَيْ فَيَتَعَيَّنُ لِأَجْلِ فَكِّ الْأُسَارَى، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُحْتِيجَ فِي فَكِّهِ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ صَارَ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَلَيْهِمْ لَا فَرْضَ عَيْنٍ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ عَجُّ [قَوْلُهُ: وَبِالنَّذْرِ] أَيْ نَذْرِ أَنْ يُقَاتِلَ الْكُفَّارَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

[قَوْلُهُ: وَبِاسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ] يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ إذَا عَيَّنَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَا يَسَعَهُ الْمُخَالَفَةُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يَلِي الْعَدُوَّ أَمْ لَا، كَانَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِفَرْضِ الْجِهَادِ أَمْ لَا، كَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ مِنْ صَبِيٍّ مُطِيقٍ لِلْقِتَالِ أَوْ امْرَأَةٍ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ، مِنْ مَنْعِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: وَبِفِجَاءِ الْعَدُوِّ مَحَلَّةَ قَوْمٍ] يَعْنِي أَنَّ الْعَدُوَّ إذَا فَجَأَ مَدِينَةَ قَوْمٍ مَثَلًا، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ الْعَدُوَّ، مَا لَمْ يَخَفْ مَنْ بِقُرْبِهِمْ مَعَرَّةَ الْعَدُوِّ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمَارَةٍ ظَاهِرَةٍ فَلْيَلْزَمُوا مَكَانَهُمْ.

[قَوْلُهُ: وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ] يَعْنِي أَنَّ الْجِهَادَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَوْ مَعَ خَوْفِ الْمُحَارِبِ كَانَ فِي طَرِيقِ الْمُجَاهِدِينَ أَوْ عَلَى حِدَةٍ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ عَلَى عُمُومِ النَّاسِ إنْ لَمْ يَكُنْ إمَامٌ أَنْ يُعَيَّنَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِجِهَادِ الْكُفَّارِ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَيَكُونُ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ لِلْعَدُوِّ مَعَ قِلَّةِ خَوْفِ غَيْرِهَا، وَإِنْ تَسَاوَى الطَّرِيقَانِ خَوْفًا، فَالنَّظَرُ لِلْإِمَامِ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يَذْهَبُ إلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ كِفَايَةٌ لِجَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَإِلَّا وَجَبَ سَدُّ الْجَمِيعِ. وَقَوْلُنَا: فَرْضُ كِفَايَةٍ، لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ بَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْحُرِّ، الذَّكَرِ الْمُحَقِّقِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْقَادِرِ لَا عَلَى أَضْدَادِهِمْ، وَكَمَا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِالْمُسْلِمِينَ يَتَعَلَّقُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ تَحْتَ ذِمَّتِنَا، فَيُطْلَبُونَ بِمُجَاهَدَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْكُفَّارِ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ عُرِّفَ بِأَنَّهُ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى فَاعِلِهِ بِالذَّاتِ مَعَ الْإِثْمِ بِتَرْكِهِ فَخَرَجَ سُنَّةُ الْكِفَايَةِ، وَمَا نُدِبَ كِفَايَةً، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ أُسْقِطَ عَنْهُ الْفَرْضُ بِقِيَامِ غَيْرِهِ هَلْ لَهُ أَجْرٌ أَمْ لَا. قَوْلَانِ: قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ.

[قَوْلُهُ {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: ٩٥] إلَخْ] أَيْ الْمَثُوبَةَ الْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّةُ [قَوْلُهُ: الْعَدُوُّ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْعَدُوُّ خِلَافُ الصَّدِيقِ الْمُوَالِي وَالْجَمْعُ أَعْدَاءٌ، وَعِدًى بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ، يَقَعُ الْعَدُوُّ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عَلَى الْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمَجْمُوعِ اهـ.

فَقَوْلُ الْمُصَنَّفِ حَتَّى يُدْعَوْا بِالْجَمْعِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْعَدُوِّ هُنَا وَاقِعًا عَلَى جَمَاعَةٍ [قَوْلُهُ: وَهُوَ شَهَادَةُ] فِيهِ شَيْءٌ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ حَتَّى تُدْعَى كُلُّ فِرْقَةٍ إلَى الْخُرُوجِ عَمَّا كَفَرَتْ بِهِ فَيُدْعَى إلَى الشَّهَادَتَيْنِ، مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِمَضْمُونِهِمَا وَيُدْعَى إلَى عُمُومِ رِسَالَةِ الْمُصْطَفَى مَنْ يُنْكِرُ الْعُمُومَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ يُدْعَوْنَ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ دِينٌ الْإِسْلَامِ الْمُعْتَبَرِ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ الشَّرَائِعِ إلَّا أَنْ يَسْأَلُوا عَنْهَا فَتُبَيَّنَ لَهُمْ. [قَوْلُهُ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ] أَيْ كُلُّ مَرَّةٍ فِي يَوْمٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضٍ أَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ فَرْضٌ، أَيْ خِلَافُ طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِذَا دُعُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَوَّلِهِ قُوتِلُوا أَوَّلَ الرَّابِعِ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ لَا فِي بَقِيَّةِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ كَالْمُرْتَدِّ فِي ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ] هَذَا ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: إلَى اسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ] أَيْ هَلَاكِهِمْ.

قَالَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>