للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ الدَّعْوَةِ أَوَّلًا، لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُمْ نَقَلُوا فِي الدَّعْوَةِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ: الْوُجُوبَ مُطْلَقًا لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَعَدَمَهُ لَهُ فِي غَيْرِهَا، وَلَهُ فِيهَا أَيْضًا تَجِبُ فِيمَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ دُونَ مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ، وَالرَّابِعَ: تَجِبُ فِي الْجَيْشِ الْكَثِيرِ. ج وَجَعَلَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ، قَوْلَ الشَّيْخِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا قَوْلًا خَامِسًا وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ إنَّمَا نَفَى الْوُجُوبَ فَقَطْ، يُرِيدُ وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْخِلَافِ. انْتَهَى.

وَهَذَا الْخِلَافُ فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ دَعْوَتِهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ) أَنَّهُمْ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ أَجَابُوا إلَى أَحَدِهِمَا كُفَّ عَنْهُمْ (وَإِلَّا قُوتِلُوا) وَاَلَّذِي فِي الْجَوَاهِرِ وَصِفَةِ الدَّعْوَةِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَجَابُوا كُفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا عَرَضَ عَلَيْهِمْ أَدَاءَ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا، وَإِنْ أَجَابُوا طُولِبُوا بِالِانْتِقَالِ إلَى حَيْثُ يَنَالُهُمْ سُلْطَانُنَا فَإِنْ أَجَابُوا كَفَفْنَا عَنْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا هَذَا كُلُّهُ مَعَ الْإِمْهَالِ فَلَوْ عَجَّلُوا عَنْ الدَّعْوَةِ قُوتِلُوا دُونَهَا. انْتَهَى.

وَلِقَبُولِ الْجِزْيَةِ شَرْطٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إذَا كَانُوا حَيْثُ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا فَأَمَّا إنْ بَعُدُوا مِنَّا فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إلَّا أَنْ يَرْتَحِلُوا إلَى بِلَادِنَا، وَإِلَّا قُوتِلُوا) ع: ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي أَهْلِ الْعَنْوَةِ وَأَهْلِ الصُّلْحِ، وَإِنَّمَا هَذَا الشَّرْطُ فِي أَهْلِ الْعَنْوَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهِمْ

ــ

[حاشية العدوي]

الْمِصْبَاحِ وَاسْتَأْصَلْته قَلَعْته بِأُصُولِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ: اسْتَأْصَلَ اللَّهُ الْكُفَّارَ أَيْ أَهْلَكَهُمْ جَمِيعًا.

[قَوْلُهُ: هَذَا مَا يُعْطِيهِ] الْمُشَارُ لَهُ قَوْلُهُ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ لَا تُسْتَحَبُّ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ بَلْ يَجِبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَذْهَبِ] أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ نَقَلُوا فِي الدَّعْوَةِ إلَخْ] أَقُولُ فَحِينَئِذٍ كَانَ الْمُنَاسَبُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي إلَيْنَا عَائِدٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: الْوُجُوبُ مُطْلَقًا] هَذَا أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ [قَوْلُهُ: بَعُدَتْ دَارُهُ] أَيْ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ دُونَ مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ أَيْ فَلَا يُدْعَوْنَ لِعِلْمِهِمْ بِالدَّعْوَةِ، كَذَا رَأَيْتُ [قَوْلُهُ: تَجِبُ فِي الْجَيْشِ الْكَثِيرِ] أَيْ الْآمِنِ أَيْ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَقَوْلٌ رَابِعٌ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْجَيْشِ الْكَثِيرِ الْآمِنِ. اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ آمِنًا، تَكُونُ الدَّعْوَةُ سَبَبًا لِاسْتِعْدَادِ الْكُفَّارِ فَيَكُونُ ضَرَرًا لِلْمُسْلِمِينَ، خِلَافٌ مَا إذَا كَانَ آمِنًا فَلَا يُبَالِي أَيْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ آمِنًا، فَلَا تَجِبُ بَلْ تَحْرُمُ. هَذَا مَا يَظْهَرُ فِي تَقْرِيرِ الْقَوْلَيْنِ [قَوْلُهُ: قَوْلًا خَامِسًا] أَيْ فَيَكُونُ الثَّانِي قَائِلًا بِالْإِبَاحَةِ فِيمَا يَظْهَرُ [قَوْلُهُ: لِلْخِلَافِ] أَيْ لِمُرَاعَاةِ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُمْ إلَخْ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُدْعَوْنَ عَلَى التَّرْتِيبِ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَظَاهِرٌ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا إلَخْ. لَيْسَ بَيَانًا لِلدَّعْوَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ لِلْإِسْلَامِ أَوْ لِلْجِزْيَةِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ، وَإِنَّمَا هُوَ إشَارَةٌ لِمَا يَقَعُ مِنْهُمْ فِي جَوَابِ الدَّعْوَةِ فَإِذَا دُعُوا لِلْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوا لَهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ أَجَابُوا لِلْجِزْيَةِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ إجَابَةٌ لِلْجِزْيَةِ بَعْدَ إبَايَةِ الْإِسْلَامِ. اهـ.

الْمُرَادُ مِنْ حَاشِيَةِ عج: بِالْمَعْنَى [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْجَوَاهِرِ إلَخْ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ] أَيْ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ الشَّرَائِعِ إلَّا أَنْ يَسْأَلُوا عَنْهَا فَتُبَيَّنَ لَهُمْ [قَوْلُهُ: عَرَضَ عَلَيْهِمْ أَدَاءَ الْجِزْيَةِ] أَيْ إجْمَالًا أَيْ إلَّا أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ تَفْصِيلِهَا [قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ مَعَ الْإِمْهَالِ] أَيْ تَرْكُ الْكُفَّارِ إيَّانَا إلَخْ، مِنْهُ نَسْتَفِيدُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، تَقْدِيرُهُ، وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لَا يُقَاتَلَ الْعَدُوُّ حَتَّى يُدْعَوْا إلَى دِينِ اللَّهِ فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَإِلَّا قُوتِلُوا، إلَّا أَنْ يُعَاجِلُوا فَلَا يُدْعَوْا إلَى دِينِ اللَّهِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: عَجِلُوا] مِنْ بَابِ تَعِبَ أَيْ فَلَوْ أَسْرَعُوا لِمُقَاتَلَتِنَا كَافِّينَ عَنْ دَعْوَتِنَا أَيْ تَارِكِينَ لَهَا. [قَوْلُهُ: قُوتِلُوا دُونَهَا] أَيْ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ حِينَئِذٍ حَرَامٌ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ.

[قَوْلُهُ: وَلِقَبُولِ الْجِزْيَةِ شَرْطٌ] أَيْ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ لَهُ شَرْطٌ، أَيْ إذَا أَجَابُوا لِلْإِسْلَامِ فَيُقْبَلُ مِنْهُمْ فِي أَيِّ مَحِلٍّ كَانَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ [قَوْلُهُ: فَأَمَّا إنْ بَعُدُوا إلَخْ] لَا يُفِيدُ الْمُرَادُ وَهُوَ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا، فَإِنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَهَذَا يُوجَدُ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>