للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ فِي مَوْضِعِهِمْ، لِأَنَّهُمْ مَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ حَتَّى صَالَحُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَبِلَادِهِمْ، وَتَكَلَّمَ عَلَى الْجِزْيَةِ أَيْنَ تُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَسَكَتَ عَنْ إسْلَامِهِمْ إذَا أَسْلَمُوا، فَنَقُولُ سَكَتَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا تَقْدَحُ قُوَّةٌ فِي إسْلَامِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ وَاجِبَةً قَبْلَ الصُّلْحِ.

(وَالْفِرَارُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَنْ يُوَلِّيَ (مِنْ الْعَدُوِّ) وَنِيَّتُهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَيْهِ عَدَّهُ الْعُلَمَاءُ (مِنْ الْكَبَائِرِ إذَا كَانُوا) أَيْ الْعَدُوُّ مِنْ الْكُفَّارِ (مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَلَّ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهُمْ فِي الْقُوَّةِ أَوْ أَشَدَّ أَوْ جُهِلَ الْأَمْرُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِلْكُفَّارِ مَادَّةٌ أَمْ لَا، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا وَنِيَّتُهُ إلَى آخِرِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ إذَا فَرَّ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ، بِأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَكِيدَةً لَهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: ١٦] الْمُتَحَرِّفُ

ــ

[حاشية العدوي]

الْبُعْدِ وَقَدْ يُوجَدُ ضِدُّهُ مَعَهُ كَمَا فِي عج [قَوْلُهُ: وَسَكَتَ عَنْ إسْلَامِهِمْ إذَا أَسْلَمُوا] أَيْ بِالْفِعْلِ [قَوْلُهُ: لَا تَقْدَحُ فِي إسْلَامِهِمْ] أَيْ بِالْفِعْلِ لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ شُرَّاحَ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ قَدْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا وَنَصَّ الْبَعْضُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا لِلْجِزْيَةِ أَوْ أَجَابُوا لَهَا، وَلَكِنَّهُمْ بِمَحَلٍّ لَا تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا فِيهِ وَلَمْ يَرْتَحِلُوا إلَى مَحَلٍّ يُؤْمَنُ مِنْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَجَابُوا لِلْإِسْلَامِ، وَهُمْ بِمَحَلٍّ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُمْ قُوتِلُوا أَيْ أُخِذَ فِي قِتَالِهِمْ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ قُتِلُوا اهـ.

إلَّا أَنْ يُقَالَ كَلَامُ شُرَّاحِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسْلِمُوا بِالْفِعْلِ لَا وَعَدُوا بِالْإِسْلَامِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَاجِبَةٌ قَبْلَ الصُّلْحِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ تُوَضِّحُ الْمَقَامَ، وَنَصُّهُ: وَلَوْ أَسْلَمَ قَوْمٌ كُفَّارٌ فَإِنْ كَانُوا حَيْثُ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْتَحِلُوا، وَإِنْ لَمْ يَرْتَحِلُوا فَهُمْ عَاصُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِسْلَامُهُمْ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ إنَّمَا كَانَتْ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» وَكَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَا يَتِمُّ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ حَتَّى يَرْتَحِلَ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ قَالَ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» .

[قَوْلُهُ: أَوْ جُهِلَ الْأَمْرَ] أَيْ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُمْ مِثْلُهُمْ فِي الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَضْعَفُ قُوَّةً مِنْ الْكُفَّارِ لَجَازَ لَهُمْ الْفِرَارُ، حِينَئِذٍ يُفِيدُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ مَحِلَّ حُرْمَةِ الْفِرَارِ إذَا كَانَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ، وَإِلَّا جَازَ، وَإِذَا كَانُوا ضِعَافًا لَيْسَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الضَّعْفُ بِحَسَبِ الْعَدَدِ لَا الْقُوَّةِ، خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونَ فَإِنَّهُ يَقُولُ يَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتُوا لِأَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، إذَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْ الْكُفَّارِ سِلَاحًا، وَأَكْثَرَ قُوَّةً وَجَلَدًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَثْبُتُوا لَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ إذَا كَانَ الْكُفَّارُ أَشَدَّ مِنْهُمْ سِلَاحًا، وَأَكْثَرَ قُوَّةَ وَجَلَدًا وَخَافُوا أَنْ يَغْلِبُوهُمْ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ.

تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ مَحِلَّ حُرْمَةِ الْفِرَارِ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ ضَعْفَهُمْ أَوْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا عَلَى مَا سَيَأْتِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ سِلَاحٌ، وَأَنْ لَا تَخْتَلِفَ كَلِمَتُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ سِلَاحٌ لَمْ يَحْرُمْ الْفِرَارُ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَتْ كَلِمَتُهُمْ.

[قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَ إلَخْ] الْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْكُفَّارِ مَادَّةٌ وَلَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَدُوُّ بِمَحِلِّ مَدَدٍ وَلَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْفِرَارُ، وَهَذَا جَارٍ فِيمَا إذَا بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ أَوْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَيَكْفِي بُلُوغُهُمْ هَذَا الْعَدَدَ وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ أَوْ الْوَهْمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ كَوْنُ الْجَمِيعِ مِمَّنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْجِهَادِ، بَلْ لَوْ كَانَ فِيهِمْ عَبِيدٌ وَصِبْيَانُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِيهِمْ قُدْرَةٌ عَلَى الْجِهَادِ.

[قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا إذَا فَرَّ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَحَيِّزَ كَالْمُتَحَرِّفِ فِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ، فَالْأَوْلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>