هُوَ الَّذِي يُرِي الْعَدُوَّ الِانْهِزَامَ حَتَّى يَتْبَعَهُ فَيَكِرُّ عَلَيْهِ وَالْمُتَحَيِّزُ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْأَمِيرِ أَوْ إلَى جَمَاعَةٍ بِقُرْبِهِ يَسْتَعِينُ بِهِمْ، (فَإِنْ كَانُوا) أَيْ الْعَدُوُّ الْكُفَّارُ (أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ (فَلَا بَأْسَ) بِجَوَازِ (ذَلِكَ) الْفِرَارِ مِنْ الْعَدُوِّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَهُوَ كَذَلِكَ.
فِي النَّوَادِرِ عَنْ سَحْنُونَ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَارْتَضَاهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ، وَإِنْ كَانَ الْكُفَّارُ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْهِمْ وَقَيَّدَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَلَامَ الشَّيْخِ وَاعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ.
(وَيُقَاتَلُ الْعَدُوُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ أَنْ يُقَاتِلَ الْعَدُوَّ مِنْ الْكُفَّارِ (مَعَ كُلِّ بَرٍّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ الْمُوَفِّي بِالْعُهُودِ.
(وَ) مَعَ كُلِّ (فَاجِرٍ) وَهُوَ الْجَائِرُ فِي أَحْكَامِهِ (مِنْ الْوُلَاةِ) أَمَّا مَعَ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعَ الثَّانِي فَلِمَا صَحَّ، مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ الْقِتَالُ مَعَهُ لَكَانَ ضَرَرًا عَلَى الْإِسْلَامِ.
(وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ مَنْ أُسِرَ مِنْ الْأَعْلَاجِ) جَمْعُ عِلْجٍ: وَهُوَ الرَّجُلُ مِنْ كُفَّارِ الْعَجَمِ.
(وَلَا يُقْتَلُ أَحَدٌ) مِنْ الْعَدُوِّ (بَعْدَ أَمَانٍ) كَانَ الْأَمَانُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
أَنْ يُشِيرَ إلَى إخْرَاجِهِمَا أَوَّلًا، وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْمُحْتَرِفِ. [قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْأَمِيرِ] أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَحَيِّزُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ خَوْفًا بَيِّنًا، وَقَرُبَ الْمُنْحَازُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ الْمُنْحَازُ أَمِيرَ الْجَيْشِ.
تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي بُلُوغَ الْمُسْلِمِينَ النِّصْفَ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ الْآتِيَةِ، بِمَا إذَا كَانَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ، وَإِلَّا جَازَ الْفِرَارُ فَصَارَ حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ سِلَاحٌ، وَأَنْ لَا تَخْتَلِفَ كَلِمَتُهُمْ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْكُفَّارِ مَادَّةٌ، وَلَا يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَكُونَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ. [قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِجَوَازِ ذَلِكَ] لَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ جَوَازٍ فَذِكْرُهَا مُضِرٌّ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ الْأَفْضَلُ حِينَئِذٍ الْفِرَارُ أَوْ الثَّبَاتُ، أَوْ إنْ كَانَ الْإِمَامُ فَالْفِرَارُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَالثَّبَاتُ أَفْضَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.
قَالَهُ عج فِي حَاشِيَتِهِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغُوا اثْنَيْ عَشَر أَلْفًا إلَخْ] قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِشُرُوطٍ.
[قَوْلُهُ: أَيْ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هَذَا جَارٍ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ كِفَايَةً، وَأَمَّا مَنْ يُنْدَبُ فِي حَقِّهِ الْجِهَادُ، فَهَلْ يُقَاتِلُ مَعَ كُلِّ بَارٍّ وَفَاجِرٍ أَوْ لَا.
قَالَهُ عج [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُوَفِّي بِالْعُهُودِ] أَيْ: الْعَادِلُ، [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْجَائِرُ فِي أَحْكَامِهِ] شَامِلٌ لِمَنْ كَانَ جَوْرُهْ بِالْغَدْرِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، لَكِنْ اعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ وُجُوبِ الْقِتَالِ مَعَهُ، وَلِمَنْ كَانَ فَاسِقًا وَلِمَنْ لَا يَعْدِلُ فِي الْخَمْسِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجِهَادِ الْوَاجِبِ، وَلَوْ كِفَايَةً، وَأَمَّا مَا يَنْدُبُ فَقَدْ تَقَدَّمَ التَّرَدُّدُ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا وَجْهَ لِلْقِتَالِ مَعَ الْجَائِزِ فِي الْمَنْدُوبِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ مِنْ أُسِرَ مِنْ الْأَعْلَاجِ] أَيْ إذَا كَانَ فِي قَتْلِهِ مَصْلَحَةٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الرَّجُلُ مِنْ كُفَّارِ الْعَجَمِ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ أَشَارَ بِهِ لِمَنْ يَقُولُ لَا تُقْتَلُ الْأُسَارَى؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْقَتْلِ أَحْسَنُ. اهـ.
أَقُولُ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَعْلَاجِ فَرْضُ مِثَالٍ، فَلِذَلِكَ قَالَ: ابْنُ الْحَاجِبِ، وَإِنْ أَسَرُوا عَرَبًا أَوْ عَجَمًا، فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي خَمْسَةٍ: الْقَتْلِ أَوْ الِاسْتِرْقَاقِ أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ أَوْ الْمُفَادَاةِ أَوْ الْمَنِّ بِالنَّظَرِ. اهـ.
قَالَ خَلِيلٌ: فِي تَوْضِيحِهِ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْإِبْقَاءِ، فَإِنْ قَتَلَ فَلَا تَفْصِيلَ، وَإِنْ أَبْقَى خُيِّرَ فِي أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الِاسْتِرْقَاقِ، وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ وَالْمُفَادَاةِ وَالْمَنِّ، وَقَوْلُهُ بِالنَّظَرِ رَاجِعٌ لِلْخَمْسَةِ، يَعْنِي أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَمَتَى وَجَدَ فِيهَا أَحْسَنَ تَعَيَّنَ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ الْمُقَاتِلَةِ، وَأَمَّا الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ فَلَيْسَ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ أَوْ الْمُفَادَاةُ أَوْ الْعِتْقُ، فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ النَّظَرُ فِيمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ، فَأَيْنَ التَّخْيِيرُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّخْيِيرَ حَيْثُ رَأَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأُمُورِ مَصْلَحَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ، مِنْ