للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: ٥٨] ؛ وَلِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُنْصَبُ لِلْغَادِرِ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ (وَلَا يُخْفَرُ لَهُمْ) أَيْ لِلْعَدُوِّ (بِعَهْدٍ) وَالْإِخْفَارُ نَقْضُ الْعَهْدِ، وَلَيْسَ هَذَا تَكْرَارًا مَعَ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ خَاصٌّ بِالْقَتْلِ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ.

(وَلَا) يُقْتَلُ (النِّسَاءُ وَ) لَا (الصِّبْيَانُ) ؛ لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ قَتْلِهِمْ، وَكَذَلِكَ لَا يَضْرِبُ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ، وَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِمْ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الِاسْتِرْقَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْفِدَاءِ، (وَيُجْتَنَبُ قَتْلُ الرُّهْبَانِ) جَمْعُ رَاهِبٍ وَهُوَ الْعَابِدُ.

(وَ) قَتْلُ (الْأَحْبَارُ) جَمْعُ حَبْرٍ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ الْأَفْصَحُ الْعَالِمُ وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلُ الْأَحْبَارِ الْأُجَرَاءُ وَيُشْتَرَطُ فِي عَدَمِ قَتْلِ الْأَوَّلَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَنْ يَنْقَطِعَا عَنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمَا حِسًّا فِي دَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ، وَمَعْنًى، فَلَا يُخَالِطَاهُمْ فِي رَأْيٍ وَلَا يُعِينَاهُمْ فِي تَدْبِيرٍ وَمَشُورَةٍ، وَيَكُونَانِ حُرَّيْنِ لَا يُسْتَرَقَّانِ، وَيَتْرُكُ لَهُمَا مَا يَقُومُ بِهِمَا. وَاخْتَلَفَ فِي الزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ، إذَا كَانَ مَالًا كَثِيرًا عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْأَشْهَرُ، أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ لَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِيمَا رَأَيْتُ أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ مَالُهُ، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ هُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونَ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ، أَنَّ جَمِيعَ مَنْ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ يُتْرَكُ لَهُ كِفَايَتُهُ فَقَطْ، وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ إذَا تَرَهَّبَتْ، حُكْمُ الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ مِنْ

ــ

[حاشية العدوي]

التَّخْيِيرِ لَازِمُهُ، وَهُوَ عَدَمُ تَعَيُّنِ وَاحِدٍ مِنْهَا ابْتِدَاءً.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونَ أَمَانَةً مَوْقُوفٌ عَلَى نَظَرِ الْإِمَامِ وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بَعْدُ. اهـ. ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] أَيْ رَايَةٌ، كَمَا قَالَهُ شَارِحُو الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ] بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ.

قَالَ بَعْضٌ: وَالْمُرَادُ شُهْرَتُهُ فِي الْقِيَامَةِ بِصِفَةِ الْغَدْرِ؛ لِيَذُمَّهُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ، وَفِيهِ غُلِّظَ تَحْرِيمُ الْغَدْرِ لَا سِيَّمَا مِنْ صَاحِبِ الْوَلَايَةِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ غَدْرَهُ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يُخْفَرُ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، مِنْ أَخْفَرَ لَا مِنْ خَفَرَ، قَالَ فِي الصَّحَاحِ، وَأَخْفَرْتُهُ إذَا نَقَضْتُ عَهْدَهُ.

[قَوْلُهُ: وَيُجْتَنَبُ قَتْلُ الرُّهْبَانِ] لَيْسَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الرُّهْبَانِ وَنَحْوِهِمْ، لِفَضْلِ تَرَهُّبِهِمْ بَلْ هُمْ مِنْ اللَّهِ أَبْعَدُ مِنْ غَيْرِهِمْ لِشِدَّةِ كُفْرِهِمْ، وَإِنَّمَا تُرِكُوا لِتَرْكِهِمْ أَهْلِ دِينِهِمْ فَصَارُوا كَالنِّسَاءِ اهـ مِنْ تت.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَفْصَحُ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَّحَهُ صَاحِبُ الصَّحَاحِ، وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْقَامُوسِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْفَتْحَ بَعْدُ، وَاقْتَصَرَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ عَلَى الْفَتْحِ وَكَذَا ثَعْلَبٌ. [قَوْلُهُ: الْأُجَرَاءُ] أَيْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ فَفِي الشَّيْخِ زَرُّوقٍ الْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ قَتْلِ الْفَلَّاحِ وَالْأَجِيرِ وَالصَّانِعِ، إذَا لَمْ يُقَاتِلُوا وَقَدَرَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَعِنْدَ سَحْنُونَ يُقْتَلُونَ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ إذْ لَمْ يَسْتَثْنِهِمْ مِمَّنْ يَجُوزُ قَتْلُهُ اهـ.

وَرَأَى بَعْضُ مُحَقِّقِي شُيُوخِ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا خِلَافٌ فِي حَالٍ، وَأَنَّ مَنْ لَهُ رَأْيٌ وَتَدْبِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يُقْتَلُ، وَمَنْ لَا رَأْيَ لَهُ لَا يُقْتَلُ. [قَوْلُهُ: الْأَوَّلَيْنِ] لَعَلَّهُ الْأَخِيرَيْنِ أَوْ أَوَّلَيْنِ، بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ أَوْ الْأُجَرَاءُ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُعِينُوهُمْ] عَيْنُ الَّذِي قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: فِي تَدْبِيرٍ] التَّدْبِيرُ النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَقَوْلُهُ: مَشُورَةُ الْإِعَانَةِ فِي مَشُورَةٍ، هِيَ أَنْ يَدُلَّ الْمُسْتَشَارُ الْمُسْتَشِيرَ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُهُ. [قَوْلُهُ: وَيَكُونَانِ حُرَّيْنِ] وَعَلَى قَاتِلِهِمَا دِيَةُ حُرٍّ، تُدْفَعُ لِأَهْلِ دِينِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَيَتْرُكُ لَهُمَا مَا يَقُومُ بِهِمَا] أَيْ يَتْرُكُ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا يَعِيشُونَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا تُؤْخَذُ كُلُّهَا فَيَمُوتُوا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ فَمِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْكُفَّارِ مَالٌ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مُوَاسَاتُهُمْ.

[قَوْلُهُ: وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ إلَخْ] أَيْ الَّذِي هُوَ الثَّانِي [قَوْلُهُ: وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْيَسِيرِ] أَيْ فِي كَوْنِهِ يُتْرَكُ لَهُ وَالْكَثِيرُ لَا يُتْرَكُ لَهُ، هُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونَ أَيْ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ مُقَابِلًا لَهُ، أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ كِفَايَتُهُ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّائِدُ مَالًا كَثِيرًا أَمْ لَا، فَهُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ جَمِيعَ مَنْ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ] أَيْ مِنْ شَيْخٍ فَانٍ وَزَمِنٍ، وَأَعْمَى حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَأْيٌ وَلَا تَدْبِيرٌ، أَمَّا إنْ كَانَ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ رَأْيٌ قُتِلَ. [قَوْلُهُ: حُكْمُ الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ لَيْسَ حُكْمُهُنَّ حُكْمَ الرِّجَالِ فَلَا يَتْرُكُهُنَّ، وَيَجُوزُ أَسْرُهُنَّ إذْ

<<  <  ج: ص:  >  >>