وَكَرَمِهِ إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ.
فَأَقُولُ: وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ: افْتَتَحَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ: بِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْوَارِدِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ وَعَمَلًا بِقَوْلِ
ــ
[حاشية العدوي]
أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَمْحُوُّ صَوَابًا. [قَوْلُهُ: وَمَنْ نَظَرَ فِيهِ] أَيْ بِعَيْنِ الرِّضَا لَا بِعَيْنِ السُّخْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَدَعَا إلَخْ.
[قَوْلُهُ: لِمُؤَلِّفِهِ إلَخْ] كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَدَعَا لِي؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِيهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِظْهَارَ لِنُكْتَةِ أَنَّ عِلَّةَ الدُّعَاءِ التَّأْلِيفُ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِعِلِّيَّةِ الْمَأْخَذِ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ.
[قَوْلُهُ: بِالْمَغْفِرَةِ] هِيَ سَتْرُ الذَّنْبِ. [قَوْلُهُ: وَالرَّحْمَةِ] هِيَ الْإِنْعَامُ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِيُفِيدَ أَنَّ مَنْ دَعَا بِأَحَدِهِمَا يَدْخُلُ فِي الدُّعَاءِ مِنْ الْمُؤَلِّفِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا، فَتُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ إلَّا مَنْ دَعَا بِهِمَا مَعًا. [قَوْلُهُ: وَاَللَّهَ أَسْأَلُ إلَخْ] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْجَلَالَةِ مُبْتَدَأً وَأَسْأَلُ خَبَرًا وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ أَسْأَلُهُ، وَفِي نُسْخَةٍ إثْبَاتُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مُقَدَّمًا لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ. [قَوْلُهُ: الْمَعُونَةَ] اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْإِعَانَةِ، وَهَلْ الْمِيمُ زَائِدَةٌ فَوَزْنُهَا مَفْعَلَةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَوْ أَصْلِيَّةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَاعُونِ فَوَزْنُهَا فَعُولَةٌ؟ قَوْلَانِ أَفَادَهُمَا صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ.
[قَوْلُهُ: الَّذِي أَمَّلْنَاهُ] أَيْ رَجَوْنَاهُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ مُلَخَّصًا تَلْخِيصًا حَسَنًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِمَنِّهِ إلَخْ] الْمَنُّ يُطْلَقُ عَلَى أَرْبَعَةِ مَعَانٍ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ: الْإِنْعَامُ، وَالِامْتِنَانُ، وَالْقَطْعُ، وَإِذْهَابُ الْقُوَّةِ. وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْأَوَّلُ وَعَطْفُ الْكَرَمِ عَلَيْهِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، فَأَرَادَ بِالْكَرَمِ صِفَةَ الْفِعْلِ الَّتِي هِيَ الْإِنْعَامُ، وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ حَالٌ مِنْ الْمَعُونَةِ أَيْ أَسْأَلُهُ الْإِعَانَةَ حَالَةَ كَوْنِ تِلْكَ الْإِعَانَةِ مِنْ إنْعَامِهِ وَكَرَمِهِ، أَيْ مِنْ أَفْرَادِهِ، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يُوجِبُونَ عَلَى اللَّهِ فِعْلَ الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ.
[قَوْلُهُ: إنَّهُ إلَخْ] بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَافًا لَفْظًا تَعْلِيلًا مَعْنًى وَبِالْفَتْحِ عَلَى حَذْفِ اللَّامِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا يَشَاءُ] يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ مَا مَوْصُولَةً أَيْ الَّذِي يَشَاؤُهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَشِيئَتَهُ، مُتَعَلِّقُ قُدْرَتِهِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْقُدْرَةُ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا يَشَاءُ] مُتَعَلِّقٌ بِقَدِيرٍ، وَقَوْلُهُ: وَبِالْإِجَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِجَدِيرٍ، أَيْ حَقِيقٍ. وَلَمَّا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَّصِفًا بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ نَاسَبَ أَنْ يُسْأَلَ إذْ مَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهِمَا مَعًا لَا يُسْأَلُ، وَقَدَّمَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُتَفَرِّعَةٌ مَعْنًى عَلَى الْأُولَى إذْ الْإِجَابَةُ فَرْعُ الْقُدْرَةِ. [قَوْلُهُ: فَأَقُولُ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَاَللَّهَ أَسْأَلُ إلَخْ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ حَسْبِي] : أَيْ مُحْتَسَبِي أَيْ كَافِيَّ وَهِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ أَقْوَالٍ، وَمَعْمُولُهُ الَّذِي هُوَ افْتَتَحَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَنِعْمَ الْوَكِيلُ] الْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ أَيْ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ هُوَ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ نِعْمَ الْوَكِيلُ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ وَهِيَ لَا تُعْطَفُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: وَهُوَ حَسْبِي، فَيُقَدَّرُ مُبْتَدَأٌ لِلْخُلُوصِ مِنْ ذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ عَلَى مِثْلِهَا أَيْ وَهُوَ نِعْمَ الْوَكِيلُ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ مَقُولٌ فِي حَقِّهِ نِعْمَ الْوَكِيلُ، فَتَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً مُتَعَلِّقُ خَبَرِهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ، وَإِنْ أَرَدْت تَمَامَ مَا فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ فَرَاجِعْ حَفِيدَ السَّعْدِ.
١ -
[قَوْلُهُ: افْتَتَحَ إلَخْ] مَقُولُ الْقَوْلِ أَيْ خَطًّا وَيَحْتَمِلُ وَلَفْظًا أَيْضًا. [قَوْلُهُ: كَغَيْرِهِ] حَالٌ مِنْ فَاعِلِ افْتَتَحَ أَيْ افْتَتَحَ الْمُصَنِّفُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُمَاثِلًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ، وَلَعَلَّ فَائِدَةَ هَذِهِ الْحَالِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الِافْتِتَاحَ الْمَذْكُورَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَيْ الْفِعْلِيِّ. [قَوْلُهُ: اقْتِدَاءً] مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ عَامِلُهُ افْتَتَحَ.
تَنْبِيهٌ: قَصَدَ بِقَوْلِهِ: اقْتِدَاءً أَنَّهُ مَبْدُوءٌ بِهَا لَفْظًا وَخَطًّا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلْجَوَابِ بِأَنَّهُ مَبْدُوءٌ بِكِتَابَتِهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا تُنْدَبُ لَفْظًا أَيْضًا فِي أَوَّلِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ كَمَا أَفَادَهُ ح.
[قَوْلُهُ: بِكِتَابِ اللَّهِ] مَصْدَرُ كَتَبَ سَمَاعِيٌّ إلَّا أَنَّهُ هُنَا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ بِمَكْتُوبِ اللَّهِ، أَوْ أَنَّ الْكِتَابَ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهِ، وَالْإِضَافَةُ لِلْعَهْدِ أَيْ الْمَعْهُودُ عِنْدَنَا مَعْشَرَ الْأُمَّةِ وَهُوَ الْقُرْآنُ. [قَوْلُهُ: الْعَزِيزِ] أَيْ عَدِيمِ الْمِثَالِ، وَقِيلَ: