النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَال لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» . وَثَبَتَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ) لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالصَّلَاةِ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
هُوَ الَّذِي يَتَعَذَّرُ الْإِحَاطَةُ بِوَصْفِهِ وَيَعْسُرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ تَشْتَدُّ إلَيْهِ، وَحَيْثُ جُعِلَتْ الْإِضَافَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِلْعَهْدِ فَيَكُونُ لَفْظُ الْعَزِيزِ وَصْفًا مُؤَكِّدًا، وَيَصِحُّ أَنْ تُجْعَلَ إضَافَةُ كِتَابٍ لِلْجِنْسِ فَيَكُونُ الْعَزِيزُ وَصْفًا مُقَيَّدًا إذْ هُوَ وَصْفٌ خَاصٌّ بِالْقُرْآنِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كِتَابَ اسْمٌ جَامِدٌ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ التُّونُسِيُّ مِنْ إجْمَاعِ عُلَمَاءِ كُلِّ أُمَّةٍ عَلَى أَنَّ اللَّهَ افْتَتَحَ جَمِيعَ كُتُبِهِ بِبَسْمِ اللَّهِ.
وَيَشْهَدُ لَهُ خَبَرُ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَاتِحَةُ كُلِّ كِتَابٍ " وَحِينَئِذٍ فَنُكْتَةُ التَّخْصِيصِ أَنَّهُ أَشْرَفُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ. [قَوْلُهُ: الْوَارِدُ إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَرَدَ زَيْدٌ الْمَاءَ فَهُوَ وَارِدٌ، وَوَرَدَ زَيْدُ عَلَيْنَا وُرُودًا حَضَرَ، وَوَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ اهـ.
فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ شَبَّهَ وُصُولَ الْقُرْآنِ إلَيْنَا بِالْوُرُودِ، وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْوُرُودِ لِلْوُصُولِ، وَاشْتُقَّ مِنْ الْوُرُودِ بِمَعْنَى الْوُصُولِ، وَارِدٌ بِمَعْنَى وَاصِلٌ.
[قَوْلُهُ: عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ] أَيْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ. [قَوْلُهُ: وَعَمَلًا] عَبَّرَ فِي جَانِبِ الْكِتَابِ بِالِاقْتِدَاءِ، وَفِي جَانِبِ الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَمْرٌ بِالِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ الْخَبَرِ، فَفِيهِ أَمْرٌ ضِمْنًا [قَوْلُهُ: بِقَوْلِ] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ الْمَصْدَرَ، فَقَوْلُهُ: كُلُّ أَمْرٍ إلَخْ مَعْمُولُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَقُولُهُ فَقَوْلُهُ كُلُّ أَمْرٍ إلَخْ بَدَلٌ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] هُوَ إنْسَانٌ ذَكَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ فَإِنْ أُمِرَ بِذَلِكَ فَرَسُولٌ أَيْضًا فَالنَّبِيُّ أَعَمُّ مِنْ الرَّسُولِ.
[قَوْلُهُ: كُلُّ أَمْرٍ] أَيْ كُلُّ فَرْدٍ مَنْسُوبٍ لِلْأَمْرِ ذِي الْبَالِ مِنْ نِسْبَةِ الْجُزْئِيِّ لِكُلِّيِّهِ فَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى اللَّازِمِ. [قَوْلُهُ: ذِي بَالٍ] أَيْ حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا فَيَخْرُجُ الْمَكْرُوهُ وَالْمُحَرَّمُ فَتُكْرَهُ فِي الْمَكْرُوهِ وَتَحْرُمُ فِي الْمُحَرَّمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْبَالِ الْقَلْبُ إمَّا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِشَرَفِهِ وَعَظَمَتِهِ قَدْ مَلَكَ قَلْبَ صَاحِبِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِهِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ شُبِّهَ بِذِي قَلْبٍ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنْ تَقُولَ: شَبَّهَ الْأَمْرَ ذُو الْبَالِ بِإِنْسَانٍ، وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ فِي النَّفْسِ وَأُثْبِتَ لِلْمُشَبَّهِ شَيْءٌ مِنْ لَوَازِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ الْقَلْبُ، وَفِي ذَلِكَ الْوَصْفِ فَائِدَةٌ وَهِيَ رِعَايَةُ تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ حَيْثُ لَا يُبْدَأُ بِهِ إلَّا فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَهَا بَالٌ.
[قَوْلُهُ: لَا يُبْدَأُ فِيهِ] مَعْنَى بَدَأَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ تَصَدَّرَهُ بِذِكْرِهِ، وَنَائِبُ الْفَاعِلِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي وَهُوَ الْأَوْلَى لَا ضَمِيرَ مُسْتَتِرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى بَدَأَ الشَّيْءَ أَنْشَأَهُ بِخِلَافِ بَدَأَ بِهِ بِمَعْنَى جَعَلَهُ أَوَّلًا كَمَا قَالَهُ الْجَعْبَرِيُّ.
[قَوْلُهُ: فَهُوَ أَقْطَعُ] مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيْ فَهُوَ كَالْأَقْطَعِ وَالْأَقْطَعُ هُوَ الَّذِي قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ إحْدَاهُمَا، أَوْ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ كَمَا فِي: زَيْدٌ أَسَدٌ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ سَعْدِ الدِّينِ وَالْمُشَابَهَةُ مِنْ حَيْثُ قِلَّةِ الْبَرَكَةِ أَوْ عَدَمِهَا.
تَنْبِيهٌ: هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِكُبْرَى قِيَاسٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى طَلَبِ الِابْتِدَاءِ بِالْبَسْمَلَةِ فِي هَذَا التَّأْلِيفِ، فَنَقُولُ: هَذَا التَّأْلِيفُ أَمْرٌ ذُو بَالٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يُطْلَبُ فِيهِ الْبُدَاءَةُ بِالْبَسْمَلَةِ يُنْتِجُ هَذَا التَّأْلِيفُ تُطْلَبُ فِيهِ الْبُدَاءَةُ بِالْبَسْمَلَةِ، أَمَّا الصُّغْرَى فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا الْكُبْرَى فَدَلِيلُهَا هَذَا الْحَدِيثُ.
[قَوْلُهُ: بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ] دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الثُّبُوتَ قَبْلَ الْبَسْمَلَةِ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْمُصَنِّفِ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: وَصَلَّى اللَّهُ إلَخْ] الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ تَشْرِيفٌ وَزِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، أَيْ وَأَمَّا مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَكِ فَهِيَ الدُّعَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالسَّلَامُ مَعْنَاهُ التَّحِيَّةُ وَالْإِكْرَامُ وَالسَّيِّدُ الْكَامِلُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: لِمَا نَصَّ إلَخْ] عِلَّةٌ لِثَبَتَ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ تَعْلِيلًا لِلثُّبُوتِ الْمَذْكُورِ بَلْ هُوَ تَعْلِيلٌ لِلْإِثْبَاتِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمُعَلَّلَ هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ الَّذِي هُوَ هُنَا الْإِثْبَاتُ، وَخُلَاصَةُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّ اسْتِحْبَابَ الْبُدَاءَةِ بِالصَّلَاةِ يَتَحَقَّقُ بِالْكَتْبِ وَبِاللَّفْظِ وَعَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ يَكُونُ تَحَقَّقَ بِالْكَتْبِ وَلَا مَانِعَ أَيْضًا مِنْ أَنْ يَكُونَ بِاللَّفْظِ، وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِ فَقَدْ تَحَقَّقَ بِاللَّفْظِ فَقَطْ، فَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ