يَسْكُتْ فَالْحَلِفُ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ الذَّاتِيَّةِ أَوْ الْمَعْنَوِيَّةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا شَرْعًا، لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» فَأَمَرَ بِالصَّمْتِ عَمَّا عَدَا الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، فَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِتَحْرِيمِ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ.
قَالَهُ ابْنُ عَبْدُ السَّلَامِ وَشَهَرَ ك كَرَاهَةَ الْحَلِفِ بِحَقٍّ بِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا لَا يُعَظِّمُ أَهْلُ الْكُفْرِ كَالْمَسْجِدِ وَالرَّسُولِ وَمَكَّةَ.
(وَيُؤَدَّبُ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ) إذَا كَانَ بَالِغًا عَالِمًا مُعْتَادًا
ــ
[حاشية العدوي]
اللَّفْظَ الْحَادِثَ فَلَا، وَكَذَا مِنْهَا عِزَّةُ اللَّهِ حَيْثُ أَرَادَ بِهَا قُوَّتَهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا فِيمَا يَظْهَرُ لَا إنْ أَرَادَ بِالْمَعْنَى الْمَخْلُوقَ فَلَا.
تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ بِاسْمِ اللَّهِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْبَيَانِ أَيْ هُوَ اسْمُ اللَّهِ، كَأَنْ تَقُولَ بِاَللَّهِ أَوْ اللَّهِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ، وَهَا لِلَّهِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ، وَإِقَامَةِ هَا التَّنْبِيهِ مَقَامَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ بِكُلِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْخَالِقُ وَالرَّازِقُ وَالْعَزِيزُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيُجْعَلُ الْخَالِقُ وَالرَّزَّاقُ دَاخِلًا فِي صِفَتِهِ بِضَرْبٍ مِنْ التَّسَمُّحِ، وَالْأَوْلَى تَرْكُ التَّقْيِيدِ بِالذَّاتِيَّةِ؛ لِأَجْلِ أَنْ يَشْمَلَ الصِّفَةَ النَّفْسِيَّةَ، كَالْوُجُودِ بِخِلَافِ الِاسْمِ الدَّالِّ عَلَيْهَا كَالْمَوْجُودِ، أَيْ فَلَا يَدْخُلُ فِي الصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ فِي الْأَسْمَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ حَيْثُ أَرَادَ بِهِ الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً، وَيَشْمَلُ الصِّفَاتِ الْجَامِعَةِ كَالْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ وَيَشْمَلُ الْوَحْدَانِيَّةَ، وَالْقِدَمَ مِنْ صِفَاتِ السَّلْبِ، وَانْظُرْ هَلْ يَشْمَلُ بَقِيَّةَ صِفَاتِ السَّلْبِ أَمْ لَا. كَمَا قَالَ عج قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَقِيَّةَ صِفَاتِ السَّلْبِ كَذَلِكَ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْمَعْنَوِيَّةِ تَصْرِيحٌ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي التَّمْثِيلِ شَيْءٌ كَمَا قَرَّرْنَا، وَبَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ نَظَرَ فِيهَا قُلْت وَالظَّاهِرُ الِانْعِقَادُ بِهَا وَلَا تَدْخُلُ صِفَاتُ الْأَفْعَالِ.
[قَوْلُهُ: أَوْ لِيَصْمُتْ] أَيْ لَا يَحْلِفْ لَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّمْتُ إذَا لَمْ يَحْلِفْ بِاَللَّهِ، وَالتَّخْيِيرُ فِي حَقِّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَحْلِفُ لِيَبْرَأَ أَوْ يَتْرُكُ وَيَغْرَمُ. [قَوْلُهُ: فَالْحَلِفُ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ الذَّاتِيَّةِ] دَخَلَ فِي الْغَيْرِ صِفَاتُ الْأَفْعَالِ وَعِبَارَتُهُ، وَإِنْ شَمِلَتْ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةَ إلَّا أَنَّهَا تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ. [قَوْلُهُ: أَلَا إلَخْ] أَدَاةُ اسْتِفْتَاحٍ يُفْتَتَحُ بِهَا الْكَلَامُ. [قَوْلُهُ: يَنْهَاكُمْ] أَيْ نَهْيَ تَحْرِيمٍ [قَوْلُهُ: فَأَمَرَ بِالصَّمْتِ إلَخْ] أَيْ فَاللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ [قَوْلُهُ: فَظَاهِرُهُ إلَخْ] الْأَحْسَنُ وَظَاهِرُهُ بِالْوَاوِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ إلَخْ. فَإِنْ قُلْت هَلَّا أَخَذَ التَّحْرِيمَ مِنْ قَوْلِهِ يَنْهَاكُمْ قُلْت إنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ لِقُصُورِهِ عَلَى الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ فَلَا يَشْمَلُ الْحَلِفَ بِغَيْرِهِمْ مِمَّا لَمْ يَكُنْ اسْمًا لِلَّهِ، وَلَا صِفَةً لَهُ، وَالْتَفَتَ الْقُرْطُبِيُّ إلَى النَّهْيِ فَقَالَ: إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ غَيْرِ اللَّهِ بِمِثْلِ مَا يُعَظَّمُ بِهِ اللَّهُ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَهَذَا جَارٍ فِي كُلِّ مَحْلُوفٍ بِهِ غَيْرِهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْآبَاءَ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الَّذِي أَثَارَ الْحَدِيثَ حِينَ سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ. اهـ.
الْمُرَادُ مِنْهُ [قَوْلُهُ: وَشَهَرَ ك] ضَعِيفٌ إذْ الرَّاجِحُ الْحُرْمَةُ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ، إذَا كَانَ الْحَالِفُ صَادِقًا، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَيَحْرُمُ قَطْعًا، بَلْ رُبَّمَا كَانَ بِالنَّبِيِّ كُفْرًا لِأَنَّهُ اسْتِهْزَاءٌ بِهِ كَذَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ.
[قَوْلُهُ: بِحَقٍّ] الْأَوْلَى حَذْفُ بِحَقٍّ وَيَقُولُ كَرَاهَةُ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا قَالَ وَالْمَسْجِدِ أَوْ وَحَقِّ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: مِمَّا لَا يُعَظَّمُ إلَخْ] أَيْ، وَأَمَّا الْحَلِفُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَحَرَامٌ، وَإِنْ اعْتَقَدَ تَعْظِيمَ هَذِهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ حَلِفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَنَحْوِهِمَا مِمَّا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَتَّى الْأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ، كَالْمَسِيحِ وَالْعُزَيْرِ وَقَصَدَ بِالْقَسَمِ بِهَا تَعْظِيمَهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا مَعْبُودَاتٍ فَهُوَ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْظِيمَهَا فَحَرَامٌ اتِّفَاقًا فِي الْأَصْنَامِ، وَعَلَى خِلَافٍ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَكُلِّ مُعَظَّمٍ شَرْعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute